اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 112
اعترضوا على هذا من وجهين؛ أحدهما: أنهم قالوا: ما احتججتم به من فتح آخره ليس فيه حجة؛ لأن التعجب أصله الاستفهام، ففتحوا آخر أفعل في التعجب ونصبوا زيدًا فرقًا بين الاستفهام والتعجب. والثاني: أنهم قالوا: إنما فتح آخر أفعل في التعجب لأنه مبني لتضمنه معنى حرف التعجب؛ لأن التعجب كان يجب أن يكون له حرف كغيره من الاستفهام والشرط والنفي والنهي والتمني والترجي والتعريف والنداء والعطف والتشبيه والاستثناء، إلى غير ذلك؛ إلا أنهم لما لم ينطقوا بحرف التعجب وضمّنوا معناه هذا الكلام استحقَّ البناء، ونظير هذا أسماء الإشارة؛ فإنها بنيت لتضمنها معنى حرف الإشارة، وإن لم ينطق به فكذلك ههنا.
وما اعترضوا به ليس بصحيح: أما قولهم "إن التعجب أصله الاستفهام ففتحوا آخر أفعل في التعجب للفرق بين الاستفهام والتعجب" فمجرد دعوى لا يقوم عليها دليل، إلا بوحي وتنزيل، وليس ذلك سبيل، مع أنه ظاهر الفساد والتعليل؛ لأن التفريق بين المعاني لا توجب إزالة الإعراب عن وجهه في موضع ما، فكذلك ههنا ولأن التعجب إخبار يحتمل الصدق والكذب، والاستفهام استخبار لا يحتمل الصدق والكذب؛ فلا يصح أن يكون أصلًا له.
وأما قولهم "إنه بني لتضمنه معنى حرف التعجب وإن لم ينطق به"؛ فكذلك نقول: كان يجب أن يوضع له حرف كما وضع لغيره من المعاني، ولكن لما لم يفعلوا ذلك ضمّنوا "ما"معنًى حرفه فبنوها، كما ضمّنوا "ما" الاستفهاميةمعنًى الهمزة، وضمّنوا "ما" الشرطية معنى أن التي وضعت للشرط، وبنوهما وإن لم يكن للكلمة التي بعدهما تعلق بالبناء؛ فكذلك ما بعد "ما" التعجبية لا يكون له تعلق بالبناء، فبان بذلك فساد اعتراضهم، وأنه إنما فتح لأنه فعل ماضٍ على ما بيَّنَّا.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "الدليل على أنه اسم أنه لا يتصرف" قلنا: عدم تصرفه لا يدل على أنه اسم؛ فإنا أجمعنا على أن "ليس، وعسى" فعلان، ومع هذا فإنهما لا يتصرفان، وإنما لم يتصرف فعل التعجب لوجهين؛ أحدهما: أنهم لما لم يَضَعُوا للتعجب حرفًا يدل عليه جعلوا له صيغة لا تختلف؛ لتكون أمارة للمعنى الذي أرادوه، وأنه مُضَمن معنى ليس في أصله، والثاني -وهو الصحيح- إنما لم يتصرف لأن المضارع يحتمل زمانين الحال والاستقبال، والتعجب إنما يكون مما هو موجود مشاهد، وقد يتعجب من الماضي، ولا يكون التعجب مما لم يكن، فكرهوا أن يستعملوا لفظًا يحتمل الاستقبال؛ لئلا يصير اليقين شكًا، وأما قولهم "ما أملح ما يَخْرُجُ هذا الغلام، وما أطولَ ما يكون هذا" فلا يقال ذلك حتى يُرَى فيه مَخِيلَة ذلك، فدلّك ما رأيت في
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 112