تنشعب إلى لهجات ولغات، ولذلك إذا انتشرت في مساحات شاسعة من الأرض وتكلم بها طوائف مختلفات من الناس.
ومن ثَمَّ يظهر كذلك خطأ من يحاولون علاج تعدد اللغات بإنشاء لغة عالمية "اسبرانتو Esperanto" يتحدث بها الناس من مختلف الأمم والعصور, وذلك أن هذه اللغة الصناعية على فرض إمكان اختراعها وإلزام الناس باستخدامها[1]، لا تلبث بعد تداولها على الألسنة أن تخضع لجميع القوانين التي تخضع لها اللغات الطبيعية, والتي خضعت لها أول لغة تكلم بها الإنسان؛ فمادام أفراد الأمم الناطقة بها مختلفين في أصولهم الشعبية, وفي التكوين الطبيعي لجسومهم وأعضاء نطقهم، وفي الظروف الجغرافية والطبيعية والاجتماعية المحيطة بهم، وفي قواهم الإدراكية والوجدانية, ومادامت سنة الطبيعة تقتضي أن يختلف كل جيل على الجيل السابق له في كل هذه الأمور, فلا بد أن تختلف هذه اللغة الصناعية في كلماتها وأصواتها ودلالاتها وقواعدها.. باختلاف العصور, وباختلاف الشعوب الناطقة بها، وتنقسم إلى لهجات تختلف كل واحدة منها عما عداها، وتتفرع مها لهجات عامية، وتتسع الهوة بين لهجاتها قليلًَا قليلًا حتى تنفصل كل لهجة منها عما عداها انفصالًا تامًّا, وتصبح غير مفهومة إلّا لأهلها, شأنها في ذلك شأن غيرها من اللغات, وهكذا لا يمضي زمن قصير أو طويل حتى تتولد من هذا العلاج المشكلة نفسها التي يحاولون القضاء عليها: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ, إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ... } ، و {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِين} [2]. [1] هذه الأمنية، وإن كانت ممكنة نظريًّا، يحول دون تحقيقها عمليًّا صعوبات جمة. [2] بكسر اللام على رواية حفص عن عاصم، أي: العارفين المتأملين.