اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 99
وأما الحركة فقال سيبويه: إنه لما انجزم[1] الحرفان حركت الثانية منهما، فانقلبت همزة[2]، فصارت حمراء وصفراء وصحراء وصلفاء، كما ترى.
فإن قيل: ولم زعمت أن الهمزة منقلبة، وهلا زعمت أنها زيدت للتأنيث همزة في أول أحوالها.
فالجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أنها لم نرهم في غير هذا الموضع أنثوا بالهمزة، إنما يؤنثون بالتاء أو الألف، نحو حمدة وقائمة وقاعدة وحبلى وسكرى، فكان حمل همزة التأنيث في نحو صحراء وبابها على أنها بدلت من ألف تأنيث، لما ذكرناه. أحرى.
والوجه الآخر: أنا قد رأيناهم لما جمعوا بعض ما فيه همزة التأنيث، أبدلوها في الجمع، ولم يحققوها البتة، وذلك قولهم في جمع صحراء وصلفاء وخبراء: صحاري، وصلافي، وخباري، ولم نسمعهم أظهروا الهمزة في شيء من ذلك، فقالوا: صحارئ، خبارئ، وصلافئ، ولو كانت الهمزة فيهن غير منقلبة لجاءت في الجمع، ألا تراهم قالوا: كوكب درئ، وكواكب درارئ، وقراء وقرارئ، ووضاء ووضاضئ، فجاءوا بالهمزة في الجمع لما كانت غير منقلبة، بل موجودة في قرأت ودرأت، ووضؤت، فهذه دلالة قاطعة.
فإن قيل: فما الذي دعاهم إلى قلبها في الجمع ياء؟ وهلا تركوها في الجمع ملفوظا بها، كما كانت في الواحد، فقالوا: صحارئ، وصلافئ؟
فالجواب: أنها إنما كانت انقلبت في الواحد همزة وأصلها الألف، لاجتماع الألفين، وهذه صورتها: "صحراا" و"صلفاا" و"خبراا"، فلما التقت ألفان اضطروا إلى تحريك إحداهما، فجعلوها الثانية، لأنها حرف الإعراب، فصارت صحراء وصلفاء كما ترى. [1] انجزم: يريد سكن، فالجزم عند النحاة، تسكين الحرف أو حذفه إن كان حرف علة أو نونا في الأفعال الخمسة، مادة "جزم". اللسان "1/ 619". [2] في هامش "ص" ولعله من تعليق ابن هشام: "هذا الذي قاله سيبويه لم يرد به التعليل، بل الإخبار بما فعلوه واعتزموه، وذلك لأن هذا نفس الدعوى المحتاجة لعلة التخصيص، لا أن هذا تعليل، والمخطئ من أورده تعليلا، لا سيبويه".
اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 99