اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 85
وأما ما ذهب إليه سيبويه، من أن ألاءة وأشاءة مما لامه همزة، فالقول فيه عندي، أنه إنما عدل بهما عن أن تكونا من الياء، كعباءة وصلاءة وعظاءة، لأنه وجدهم يقولون: عباء وعباية، وصلاءة وصلاية، وعظاءة وعظاية، فحمل الهمزة فيهن على أنها بدل من الياء، التي ظهرت فيهن لاما، ولما لم يسمعهم يقولون أشاية، ولا ألاية، ورفضوا فيهما الياء البتة، دله ذلك على أن الهمزة فيهما لام أصلية، غير منقلبة عن ياء ولا واو، ولو كانت الهمزة فيهما بدلا لكانوا خلقاء[1] أن يظهروا ما هي بدل منه، ليستدلوا به عليها، كما فعلوا ذلك في عباءة وأختيها، وليس في ألاءة وأشاءة من الاشتقاق من الياء ما في أباءة، من كونها من معنى أبيت، فلهذا جاز لأبي بكر[2] أن يزعم أن همزتها من الياء، وإن لم ينطقوا فيها بالياء.
وإنما لم تجتمع الفاء والعين، ولا العين واللام همزتين، لثقل الهمزة الواحدة، لأنها حرف سفل في الحلق، وبعد عن الحروف[3]، وحصل طرفا، فكان النطق به تكلفا، فذا كرهت الهمزة الواحدة، فهم باستكراه الثنتين ورفضهما -لا سيما إذا كانتا مصطحبتين غير مفترقتين، فاء وعينا، أو عينا ولاما- أحرى[4]، فلهذا لم تأت في الكلام لفظة توالت فيها همزتان أصلان البتة.
فأما ما حكاه أبو زيد من قولهم دريئة[5] ودرائئ وخطيئة فشاذ لا يقاس عليه، لا سيما وليست الهمزتان أصلين بل الأولى منهما زائدة. وكذلك قراءة أهل الكوفة: "أئمة" شاذة عندنا، والهمزة الأولى[6] أيضا زائدة. [1] خلقاء: جديرين، والمفرد خليق، مادة "خلق". اللسان "2/ 1247". [2] هو أبو بكر محمد بن السري. [3] يريد أن مخرج الهمزة أبعد مخارج الحروف. [4] أحرى: خبر المبتدأ السابق، وهو قوله: فهم باستكراه ... إلخ. [5] الدريئة: ما يستتر به الصائد ليختل الصيد، والجمع درايا. مادة "درأ". [6] اجتماع الهمزتين في أول الكلمة مختلف فيه، فأجازه الكوفيون وبعض البصريين كأبي إسحاق الزجاج، ومنعه ابن جني كما يتضح من كلامه هنا، ولهذا قال: إن قراءة أهل الكوفة أئمة "أي بتحقيق الهمزتين" شاذة عندنا.
اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 85