اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 264
فإن قيل: وما كانت الحاجة إلى الفاء في جواب الشرط؟
فالجواب أنه إنما دخلت الفاء في جواب الشرط توصلا إلى المجازاة بالجملة المركبة من المبتدأ والخبر، أو الكلام الذي قد يجوز أن يبتدأ به، فالجملة في نحو قولك: إن تحسن إلي فالله يكافئك، لولا الفاء لم يرتبط أول الكلام بآخره، وذلك أن الشرط والجزاء[1] لا يصحان إلا بالأفعال، لأنه إنما يعقد وقوع فعل بوقوع فعل غيره، وهذا معنى لا يوجد في الأسماء ولا في الحروف، بل هو من الحروف أبعد، فلما لم يرتبط أول الكلام بآخره، لأن أوله فعل، وآخره اسمان، والأسماء لا يعادل بها الأفعال، أدخلوا هناك حرفا يدل على أن ما بعده مسبب عما قبله، لا معنى للعطف فيه، فلم يجدوا هذا المعنى إلا في الفاء وحدها، فلذلك اختصوها من بين حروف العطف، فلم يقولوا: إن تحسن إلي والله يكافئك، ولا: ثم الله يكافئك.
ومن ذلك قولك: إن يقم فاضربه، فالجملة التي هي اضربه: جملة أمرية، وكذلك أن يقعد فلا تضربه، فقولك: لا تضربه جملة نهيية، وكل واحدة منهما يجوز أن يبتدأ بها فتقول: اضرب زيدا، ولا تضرب عمرا، فلما كان الابتداء بهما مما يصح وقوعه في الكلام، احتاجوا إلى الفاء، ليدلوا على أن مثالي الأمر والنهي بعدها ليس على ما يعهد في الكلام من وجودهما مبتدأين غير معقودين بما قبلهما، ومن هنا أيضا احتاجوا إلى الفاء في جواب الشرط مع الابتداء والخبر، لأن الابتداء مما يجوز أن يقع أولا غير مرتبط بما قبله.
هذا مع ما قدمناه من أن الأفعال لا يعادل بها الأسماء.
ويزيد ما ذكرته لك وضوحا من أن جواب الشرط سبيله[2] ألا يجوز الابتداء به، أنك لو قلت مبتدئا: فالله يكافئك، لم يجز، كما لا يجوز أن تبتدئ فتقول: فزيد جالس، وكذلك لا يجوز أن تبتدئ أيضا فتقول: فاضرب زيدا، ولا فلا تضرب محمدا، لأن الفاء حكمها أن تأتي رابطة ما بعدها بما قبلها، فإذا استؤنفت مبتدأة فقد انتقض[3] شرطها. وهذا كله غير جائز أن يبتدأ به، كما أن الفعل المجزوم لا يجوز [1] الجزاء: يقصد به هنا جواب الشرط. [2] سبيله: طريقة في العمل. [3] انتقض: يقصد: انتفى شرط عملها.
اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 264