اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 263
الأول: نحو قولك قام زيد فعمرو، وضربت زيدا فأوجعته: أردت أن تخبر أن قيام عمرو وقع عقيب[1] قيام زيد بلا مهلة، وأن إيجاد زيد كان عقيب ضربك إياه، وعلى هذا تقول: مطرنا ما بين زبالة فالثعلبية، إذا أردت أن المطر انتظم الأماكن التي ما بين هاتين القريتين، يقروها[2] شيئا فشيئا بلا فرجة. وإذا قلت مطرنا ما بين زبالة والثعلبية، فإنما أفدت بهذا القول أن المطر وقع بينهما، ولم ترد أنه اتصل في هذه الأماكن، من أولها إلى آخرها، ولما ذكرناه من حال هذه الفاء، من أن ما بعدها يقع عقيب ما قبلها، ما جاز أن يقع ما قبلها علة[3] وسببا لما بعدها، وذلك أن العلة سبب كون المعلول وموجبته وذلك قولك: الذي أكرمني فشكرته زيد، فإنما اخترت الفاء هنا من بين حروف العطف، لأن الإكرام علة لوقوع الشكر، فعطف بالفاء، لأن المعلول ينبغي أن يقع ثاني العلة بلا مهلة. وكذلك الذي ضربته فغضب زيد، لأن الضرب علة الغضب. ولو قلت: الذي أكرمني وشكرته زيد، لم يفد هذا الكلام أن الإكرام علة للشكر، كما يفيده العطف بالفاء، وإنما كان يكون معناه أنه وقع الإكرام منه، والشكر منك، غير مسبب أحدهما عن صاحبه كان، أو مسببا عنه، بل وقعا منكما معا، فهذا يكشف لك حال الفاء.
الثاني: وهو الذي يكون فيه الفاء للإتباع دون العطف، إلا أن الثاني ليس مدخلا في إعراب الأول، ولا مشاركا له في الموضع، وذلك في كل مكان يكون فيه الأول علة للآخر، ويكون فيه الآخر مسببا عن الأول، فمن ذلك جواب الشرط في نحو قولك: إن تحسن إلي فالله مجازيك، فهذه هنا للإتباع مجردة من معنى العطف، ألا ترى أن الذي قبل الفاء من الفعل مجزوم، وليس بعد الفاء شيء يجوز أن يدخله الجزم، وإنما بعدها جملة مركبة من اسمين مبتدأ وخبر، وكذلك قولك: إن تقم فأنا قائم معك، وإنما اختاروا الفاء هنا من قبل أن الجزاء سبيله أن يقع ثاني الشرط، وليس في جميع حروف العطف حرف يوجد هذا المعنى فيه سوى الفاء. [1] عقيب: أي بعده. مادة "عقب". اللسان "4/ 3023". [2] يقروها: يتتبعها، يقال: قروت البلاد قروا وقريتها قريا: إذا تتبعتها تخرج من أرض إلى أرض. مادة "ق ر ا" اللسان "5/ 3616". [3] العلة: السبب. مادة "ع ل ل" اللسان "4/ 3080".
اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 263