اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 214
وهذا غير مرضي عندنا من قوله، وذلك أنه قد اطرد عنهم اسطعت بكسر الهمزة، وكونها همزة وصل، فهذا يدل على أنهم إذا أرادوا استفعلت، وحذفوا التاء وهم يريدونها، بقوة الهمزة موصولة مكسورة بحالها قبل حذف التاء.
ويؤكد ما قاله سيبويه من أن السين عوض من ذهاب حركة العين، أنهم قد عوضوا من ذهاب حركة هذه العين حرفا آخر غير السين، وهو الهاء في قول من قال: أهرقت[1]، فسكن الهاء، وجمع بينها وبين الهمزة، فالهاء هنا عوض من ذهاب فتحة العين، لأن الأصل: أروقت أو أريقت، بل الصواب أريقت، والواو عندي أقيس لأمرين:
أحدهما: أن كون عين الفعل واو أكثر من كونها ياء فيما اعتلت عينه.
والآخر: أن الماء إذا أهريق ظهر جوهره وصفاؤه، فراق رائيه يروقه، فهذا أيضا يقوي كون العين منه واوا. وعلى أنه قد حكى الكسائي: راق الماء يريق: إذا انصب، وهذا قاطع بكون العين ياء، ثم إنهم جعلوا الهاء عوضا من نقل فتحة العين عنها إلى الفاء، كما فعلوا ذلك في أسطاع، فكما لا يكون أصل أهرقت استفعلت، فكذلك ينبغي ألا يكون أصل أسطعت أستفعلت.
قرأت على أبي الفرج علي بن الحسين، عن أبي عبد الله محمد بن العباس اليزيدي، لعبد العزيز بن وهب مولى خزاعة، يقول لكثير2:
فأصبحت كالمهريق فضلة مائه ... لضاحي سراب بالملا يترقرق3
وقالوا في مصدره: إهراقه، كما قالوا: إسطاعة. [1] أهرقت: أريقت. مادة "هـ ر ق" اللسان "6/ 4654".
2 كثير: هوكثير بن عبد الرحمن الخزاعي وهو ابن أبي جعة وكنيته أبو صخر وهو عند أهل الحجاز، أشعر من كل من قدمنا عليه.
3 ضاحي السراب: باديه وظاهره، والسراب عبارة عن انعكاس أشعة الشمس على الرمال فيخيل للعين من بعيد أنها ماء. مادة "س ر ب" اللسان "3/ 1982".
يترقرق: يتحرك ويضطرب، أو يجري جريا سهلا ويتسلسل، ويقال: ترقرق الدمع في العين: دار في باطنها. مادة "رقق". اللسان "3/ 1708".
الشرح: فأصبحت كالماء المراق الذي يبدو كالسراب اللامع.
الشواهد: قوله "كالمهريق" فقد حقق المؤلف فيه الهاء وجعلها أصلية غير مبدلة.
إعراب الشاهد: كالمهريق: جار ومجرور.
اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 214