اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 140
وهذا وإن كان مذهبا مدخولا عندنا، وهو بضد الصواب الذي هو مذهب سيبويه، فقد قال به رجل يعد جبلا في العلم[1]، وإليه أفضت مقالات أصحابنا، وهو الذي نقلها وقررها، وأجرى الفروع والعلل والمقاييس عليها، وعلى أن الكوفيين أيضا قد خالفوا سيبويه وأصحابه[2]، وأبا العباس ومن رأى رأيه، في انتصاب المستثنى، فهذا كله يوجدك العلة التي لها فارقت "إلا" حروف الجر.
واعلم أن الفعل إذا أوصله حرف الجر إلى الاسم الذي بعده، وجره الحرف، فإن الجار والمجرور جميعا في موضع نصب بالفعل الذي قبلهما، وذلك قولك: مررت بزيد، فزيد مجرور، وبزيد جميعا في موضع نصب، والدلالة على صحة هذه الدعوى[3] مطردة من وجهين: أحدهما أن عبرة هذا الفعل الذي يصل بحرف الجر قد تجدها فيما يصل بنفسه.
ألا ترى أن قولك: مررت بزيد، في معنى جزت زيادا، وكذلك نظرت إلى عمرو في معنى: أبصرت عمرا، وانصرفت عن محمد: أي جاوزت محمدا، فهذا من طريق المعنى، وأما من طريق اللفظ، فإن العرب قد نصبت ما عطفته على الجار والمجرور جميعا، منصوبا، لأنهما جميعا منصوبا الموضع، وذلك قولهم: مررت بزيد وعمرا، ونظرت إلى محمد وخالدا. [1] يعد جبلا في العلم: تشبيه يفيد رسوخ أبي العباس في العلم. [2] مذهب سيبويه أن الناصب للمستثنى هو ما قبل إلا من الكلام.
انظر الكتاب "1/ 369" طبعة بولاق، وهو ما أشار إليه المؤلف في هذا المقام.
ومذهب الفراء من الكوفيين أن المستثنى منصوب بإلا، على تقدير أن إلا مركبة من "إن" بالتشديد، و"لا" ثم خففت إن، وأدغمت في لا، فنصبوا بها في الإيجاب، اعتبار بأن، وعطفوا بها في النفي، اعتبارا بلا.
وحكي عن الكسائي من الكوفيين أنه قال: إنما نصب المستثنى، إذ تأويله في: قام القوم إلا زيدا: قام القوم إلا أن زيدا لم يقم، كما حكي عنه أنه مشبه بالمفعول.
"انظر/ ص118-122" من كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، طبعة ليدن سنة 1933. [3] الدعوى: ما يدعى، ويقال: دعوى فلان كذا، والجمع دعاوي، ودعاو.
وفي القضاء: قول يطلب به الإنسان إثبات حق على غيره، مادة "دعا". اللسان "2/ 1388".
اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 140