اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 108
الواحد على الجمع، فلما كانوا في الجمع يقولون: عظاء وعباء وصلاء، فيلزمهم إعلال الياء، لوقوعها طرفا، أدخلوا الهاء وقد انقلبت اللام همزة، فبقيت اللام معتلة بعد الهاء كما كانت معتلة قبلها.
فإن قيل: أولست تعلم أن الواحد أقدم في الرتبة من الجمع، وأن الجمع فرع على الواحد، فكيف جاز للأصل -وهو عظاءة- أن يبني على الفرع هو عظاء؟
وهل هذا إلا كما عابه أصحابك[1] على الفراء، من قوله أن الفعل الماضي إنما بني على الفتح لأنه حمل على ألف التثنية، فقيل ضرب، لقولهم ضربا؟
فمن أين جاز للخليل أن يحمل الواحد على الجمع، ولم يجز للفراء أن يحمل الواحد على التثنية؟
فالجواب: أن الانفصال من هذه الزيادة يكون من وجهين:
أحدهما: أن بين الواحد والجمع من المضارعة[2] ما ليس بين الواحد والتثنية، ألا تراك تقول قصر وقصور، وقصرا وقصورا، وقصر وقصور، فتعرب الجمع إعراب الواحد، وتجد حرف إعراب الجمع حرف إعراب الواحد، ولست تجد في التثنية شيئا من ذلك، إنما هو قصران أو قصرين، فهذا مذهب غير مذهب قصر وقصور، أولا ترى أن الواحد تختلف معانيه كاختلاف معاني الجمع، لكنه قد يكون جمع أكثر من جمع، كما يكون الواحد مخالفا للواحد في أشياء كثيرة، وأنت لا تجد هذا إذا ثنيت، إنما تنتظم التثنية ما في الواحد التبة، وهي لضرب واحد من العدد البتة، لا يكون اثنان أكثر من اثنين، كما تكون جماعة أكثر من جماعة، ها هو الأمر الغالب، وإن كانت التثنية قد يراد بها في بعض المواضع أكثر من الاثنين، فإن ذلك قليل لا يبلغ اختلاف أحوال الجمع في الكثرة والقلة، بل لا يقاربه، فلما كانت بين الواحد والجمع هذه النسبة وهذه المقاربة، جاز للخليل أن يحمل الواحد على الجمع، ولما بعد الواحد عن التثنية في معانيه ومواقعه، لم يجز للفراء أن يحمل الواحد على التثنية، كما حمل الخليل الواحد على الجماعة. [1] أصحابك: يريد البصريين. [2] المضارعة: المشابهة. مادة "ض رع". اللسان "4/ 2581".
اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 108