اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 107
وأصل هذا كله قضاي، وسقاي، وشفاي، وكساو، وشقاو وعلاو، لأنها من قضيت، وسقيت، وشفيت، وكسوت، والشقوة، وعلوت. فلما وقعت الياء والواو طرفين، بعد ألف زائدة، ضعفتا لتطرفهما، ووقعوهما بعد الألف الزائدة المشبهة للفتحة في زيادتها.
فكما قلبت الواو والياء ألفا لتحركهما ووقوعهما بعد الفتحة في نحو: عصا رحى[1]، كذلك قلبتا ألفا أيضا، لتطرفهما وضعفهما، وكون الألف زائدة قبلهما في نحو كساء ورداء، فصار التقدير: قضا ا، وسقا ا، وشفا ا، وكسا ا، وشقا ا، وعلا ا، فلما التقى ساكنان كرهوا حذف أحدهما، فيعود الممدود مقصورا، فحركوا الألف الآخرة لالتقائهما، فانقلبت ههمزة، فصارت قضاء وسقاء وكساء وعلاء، فالهمزة في الحقيقة إنما هي بدل من الألف، والألف التي أبدلت الهمزة عنها بدل من الياء والواو، إلا أن النحويين إنما اعتادوا هنا أن يقولوا: إن الهمزة منقلبة من ياء أو واو، ولم يقولوا من ألف، لأنهم تجوزوا في ذلك، ولأن تلك الألف التي انقلبت عنها الهمزة، هي بدل من الياء أو الواو، فلما كانت بدلا منها، جاز أن يقال إن الهمزة منقلبة عنها، فأما الحقيقة فإن الهمزة بدل من الألف المبدلة عن الياء والواو، وهذا مذهب أهل النظر الصحيح في هذه الصناعة[2]، وعليه حذاق[3] أصحابنا، فاعرفه.
فأما قولهم عباءة وصلاءة وعظاءة[4]، فقد كان ينبغي لما لحقت الهاء آخرا، وجرى الإعراب عليها، وقويت الياء، بعدها عن الطرف، ألا يهمز، وألا يجوز فيه الأمران، كما اقتصر في نهاية، وغباوة، وشقاوة، وسعاية، ورماية على التصحيح دون الإعلال، إلا أن الخليل[5] رحمه الله قد علل ذلك، فقال: إنهم إنما بنوا [1] الرحى: أداة لطحن القمح والشعير والحبوب. مادة "ر ح ا". اللسان "3/ 1614". [2] الصناعة: يقصد بها صناعة النحو. [3] حذاق: جمع حاذق وهو الماهر بالشيء. مادة "ح ذ ق". اللسان "2/ 811". [4] العباءة والصلاءة والعظاءة: سبق شرحهم. [5] الخليل: هو الخليل بن أحمد الفراهيدي، رأس زمانه في النحو، مخترع علم العروض امتاز بقوة الملاحظة والورع ونقل عنه سيبويه وقطرب وغيرهم.
اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 107