اسم الکتاب : دراسات في فقه اللغة المؤلف : صبحي الصالح الجزء : 1 صفحة : 319
وحين ألف هؤلاء كتبهم في "المعرب والدخيل" ذهبوا إلى فارسية أكثر تلك المعربات، كأنما أرادوا بذلك أن يأتوا ببرهان على أن تأثر العربية بالفارسية كان أبلغ وأعمق من تأثرها بسائر اللغات الأخرى. ولعلنا بهذا نفسر إطلاقهم لفظ "أعجمي" كلما أردوا أن يذكروا لفظ "فارسي".
ولم يكن بد من أن تعترضهم أصوات فارسية غريبة على العربية: كالجيم الخالية من التعطيش، والباء المهموسة "P"، والفاء المجهورة "V"، وإذا هم يتناولونها بالتغيير، أو يستبدلون بها صوتًا عربيًّا خالصًا، فالجيم الخالية من التعطيش أبدلت جيمًا معطشة أو كافًا أو قافًا، أو قل حرفًا مترددًا صوته بين هذه الثلاثة، مثل جورب: أصلها "كورب". والباء المهموسة "P"، أبدلوها فاء أو باء مجهورة، فقالوا: فرند، وبرند[1]. والفاء المجهورة "V" أبدلوها واوًا، وأمثلتها كثيرة.
والعربية -على اتساع مدرجها الصوتي- ازدادت سعة على سعة يوم أدخلت بين حروفها الهجائية أصواتًا تقاربها مخرجًا أو صفة؛ إذ عربت هذه الأصوات الدخيلة، وحددت لها مواقعها من جهاز النطق" فلم تستعصِ على ألسنة العامة فضلًا على الخاصة، فقطع بذلك الشوط الأول من التعريب: ألا وهو تعريب المادة الصوتية، وتطويعها لأصوات العربية!
ولا ريب في أن هذا الشوط الأول من تعريب الأصوات هو أهم الأشواط، فمن بعده لن يكون عسيرًا أن تعرب الكلمات الدالة على مفهوم حضاري معين، ولا سيما إن كانت غير مألوفة للعرب أو غير [1] قارن بما ذكرناه ص285 عن قول العرب "فور" بين الفاء والباء اضطرت إلى نطق "بور" بالباء المهموسة. وانظر مقدمة الجمهرة ص4.
اسم الکتاب : دراسات في فقه اللغة المؤلف : صبحي الصالح الجزء : 1 صفحة : 319