اسم الکتاب : اللغة المؤلف : جوزيف فندريس الجزء : 1 صفحة : 354
ظل التوغل زمنا طويلا يقوم على نوع من التسرب غير المحسوس، إذ كانت البريتانية تتلقى على غير شعور منها عددا من الكلمات الفرنسية يزداد يوما بعد يوم, ولكن البريتانيين كانوا يوالون الكلام بالبريتانية، ولو طعمت بالكلمات الفرنسية. أما اليوم فقد أصبحت غالبية البريتانيين العظى تتكلم اللغتين، ومن ثم انتقل ميدان المنافسة بين اللغتين إلى أذهان المتكلمين أنفسهم على شكل ما.
وفي هذه المنافسة خطر على البريتانية. إذ إن الفوائد التي يمكن الحصول عليها من معرفة الفرنسية تفوق كثيرا تلك التي يمكن الحصول عليها من معرفة البريتانية وحدها, ولكون الفرنسية لغة برجوازية وتستعمل دون سواها في مجتمعات المدن فإنها تغري بنات الحقول بالتكلم بها، كما تغريهم ثياب الطبقة الراقية بلبسها.
ولكن يضاف إلى ذلك أن روابط السكان البريتانيين بالمجتمع البرجوازي تزداد يوما بعد يوم. فمنهم الموظفون في كثير من الأعمال وخدم المنازل الذين يتكلمون الفرنسية مع مخدوميهم, واتساع السياحة قد جعل من الأجنبي ومن البرجوازي مورد رزق للمواطنين، وهذا يجعل التكلم بالفرنسية ميزة وضرورة في آن واحد.
ونوع الحياة يؤثر كذلك على اللغة. فيلاحظ أن البريتانية على الشواطئ أقل منها ثباتا في الداخل، وذلك لأن البحارين يشتغلون بالطبع بعيدين عن محل إقامتهم، ولأنهم يجدون أنفسهم كل يوم في علاقات مع أفراد يتكلمون إما لغات أخرى وإما لهجات مخالفة بعض الشيء. فكان من مصلحتهم أن يستعملوا في هذه العلاقات لغة مشتركة كالفرنسية. وأخيرا لأن الجزء الساحلي من بريتانيا هو الجزء الذي تمر به طرق المواصلات الكبرى وتقع عليه المدن الرئيسية، وبالتالي هو الجزء الذي يقوم فيه التبادل التجاري ويرتاده السائحون بصورة دائمة[1].
وهكذا صارت الفرنسية لغة مشتركة بالنسبة لمقاطعة بريتانيا في حين أن البريتانية بلهجاتها المتعددة لم تصل يوما إلى هذا المركز. فالتناحر بين البريتانية والفرنسية يرجع إذن في نهاية الأمر إلى فعل الأسباب الاقتصادية، ولكن قوة كل من اللغتين هي التي تحدد ظروف التناحر الخاصة. [1] La Basse - Bretagne: Camille Vallaux, باريس 1907.
اسم الکتاب : اللغة المؤلف : جوزيف فندريس الجزء : 1 صفحة : 354