اسم الکتاب : اللغة المؤلف : جوزيف فندريس الجزء : 1 صفحة : 343
الأدبية، في صورتها العامة و"المشتركة", والواقع أننا نتبين طابع أساتذتنا العظام بكل حذافيره في جميع مؤلفاته من طريقة استعماله للكلمات وكيفية وصلها بعضها ببعض وفي تركيب الجملة ووزنها. نعم يجب على من يتصدى لتقدير هذا الفن الخفي أن يكون ذا ذوق مدرب, ولكنها لذة كبرى تلك التي يشعر بها حين ينظر في هذا النسج الجميل اللامع فيستطيع أن يتبين كل خيط من خيوطه ويميز مصدره، ومن المؤلم حقا أن نفكر في أنه قد يأتي يوم لا يوجد فيه من يستطيع تذوق هذه اللذة، وذلك إذا تخلى التعليم، في تغيره طبيعة وغرضا، عن العناية بالنخبة المختارة, عندئذ نقصر الجلافة الشعبية عن فهم قيمة هذا النسج فتطأ بأقدامها محملا دقيق الصنع تناسقت ألوانه حتى كأنه لوحة رسمت "بالباستيل".
ذلك بالطبع لأن كل صورة فنية فيها شيء من الشخصية بعيد عن إدراك الجماهير، هذا إلى أن خلق صورة "مشتركة" مهما كانت درجة كمالها، ليس إلا فترة في تاريخ اللغة. وأن اللغة المكتوبة أيضا في تأخر دائم بالنسبة للغة المتكلمة.
تكوين اللغات المشتركة معناه فترة من التوقف في تطور اللغة. إذ تتبلور الصيغ والتراكيب وتتحجر، وتفقد طواعية الحياة الطبيعية، ولكنا نخدع أنفسنا إذا افترضنا أن اللغة تستطيع التوقف. والذي يحملنا على هذا الظن أنها لغة اصطناعية توضع بجانب اللغة الطبيعية، والبون بين اللغتين يكون ضئيلا في بادئ الأمر، ثم يعظم مع الزمن، حتى يأتي يوم يصير فيه هذا البون صدعا عميقا. ويمكننا أن نقارن خلق اللغات المكتوبة بتكون طبقة من الجليد على سطح نهر. فالجليد يستعير مادته من النهر، بل بعبارة أوضح ليس الجليد إلا ماء النهر نفسه، ومع ذلك فليس هو النهر. وإذا رأى الجليد أحد الأطفال ظن أن النهر غير موجود وأن تياره قد توقف عن المسير. وهذا خداع! فالماء تحت طبقة الجليد لا يزال يجري منحدرا في طريقه نحو السهل، وإذا تكسر الجليد رأينا الماء ينبثق فجأة ويتلاطم مزمجرا. هذه صورة من تيار اللغة, فاللغة المكتوبة هي طبقة الجليد التي فوق النهر، والماء الذي يتابع جريانه تحت الجليد الذي يحبسه هو اللغة الشعبية والطبيعية. والبرودة التي تنتج الجليد وتبغي احتجاز النهر، هي مجهود النحويين
اسم الکتاب : اللغة المؤلف : جوزيف فندريس الجزء : 1 صفحة : 343