اسم الکتاب : اللغة المؤلف : جوزيف فندريس الجزء : 1 صفحة : 340
النحو كانت تنتقل من جيل إلى جيل. وفي الهند كانت النصوص الدينية، قبل وجود الكتابة، تنتقل بالطريق الشفوي دون أن تصاب بأدنى تغيير.
ولكن من البدهي أن التقاليد، إذا اعتمدت على الكتابة، ازدادت قوة وقدرة على المقاومة.
ينبغي ألا نخلط بين "لغة مكتوبة" و"لغة أدبية". فقد يجتمع المعنيان أحيانا في لغة واحدة. ولكنهما قد يتعارضان ويتضاربان. اللغة المكتوبة في غالب الأمر عبارة عن اللغة المشتركة، أما اللغات الأدبية فتتميز عن هذه الأخيرة في غالب الأحيان؛ لأن رجال الأدب في كثير من الأقطار، من شعراء وقصاص يكونون طبقة منعزلة لها تقاليدها وعوائدها وامتيازاتها, وفي هذه الحال كانت للغتهم كل خصائص اللغة الخاصة، وكانت تتطلب تهيئة وترويضا وتثقيفا مهنيا. بل كان يتفق أن يكون الدور الذي يقوم به الشاعر دورا شبه ديني، وأن تكون بعض اللغات الأدبية لغات دينية في نفس الوقت, وقد حفظت السنسكريتية مثلا هذا الطابع زمنا طويلا. ولعل الخصائص التي نعثر عليها في القصائد الغنائية الكبرى في بلاد اليونان ترجع إلى كونها تقوم على لغات دينية خاصة. بل لقد وجد في كثير من الأقطار لغات أدبية مقصورة على استعمالات معينة مع بعدها عن كل تأثر ديني, ولغة الملحمة اليونانية صورة من هذه اللغات الأدبية الخاصة التي تكونت بفعل الشعراء وانتهت بالاستقرار الدائم, فكان كل من يضع بين شفتيه بوق الفروسية في بلاد الإغريق ينفخ فيه لغة لا تتصل بأية واحدة من اللغات المتكلمة، وقد سار أبلون الرودسي وكونتوس الأزميري على تقاليد هوميروس. كذلك كان من المتواضع عليه في أثينا أن تستعمل لأجزاء الغناء الجماعي في التراجيدية لغة معينة مصبوغة بالأصباغ الدورية وإن لم تمثل في جوهرها لهجة دورية معينة. وفي الهند وجدت لغات أدبية على أساس ما من اللهجات، وكانت لا تستعمل إلا في أنواع أدبية معينة, ولا يستعملها من الشعراء إلا طوائف خاصة, وكانت تتميز عن اللغة المشتركة باختلافها عنها. وسكان الملايو الذين لا يتكلمون
اسم الکتاب : اللغة المؤلف : جوزيف فندريس الجزء : 1 صفحة : 340