اسم الکتاب : اللغة المؤلف : جوزيف فندريس الجزء : 1 صفحة : 239
الداء ليفارق المريض أبلغ دلالة من ذلك. ففي معرفة اسم المرض شفاء من نصفه، ولا ينبغي لنا أن نسخر من هذه المعتقدات البدائية، فإنها لا تزال سارية حتى يومنا هذا، إذ لا زلنا نعتقد في أهمية الألفاظ التي تعبر عن تشخيص الأمراض. "عندي ألم شديد في الرأس يا دكتور. فيجيب الطبيب: عندك GEPHALALGIE "صداع" أو إني سيئ الهضم يا سيدي الطبيب، فيجيب هذا الأخير: عندك DYSPEPSIE "عسر هضم". مثل هذه المحاورة الجديرة بإحدى روايات موليير تتكرر كل يوم في عيادات الأطباء. قد يقال بأن الاسم الفني يحدد المرض بأكثر مما يفعله الاسم العاي وأنه يدل على مجموعة أعراض معينة وأن "الصداع" ليس مرادفا لوجع الرأس وعسر الهضم ليس مرادفا لسوء في الهضم. ولكن الواقع أن الطبيب لا يفعل أكثر من أن يضع كلمة معمية مكان كلمة عادية مبتذلة يفهمها هؤلاء المرضى جميعا، والمرضى يشعرون بالارتياح حينما يعلمون بأن رجل الطب قد عرف الداء الخفي الذي يشكون منه، عرفه باسمه.
إنها علاقات قياسية، تلك العلاقات التي تتقابل وتتقاطع حول الكلمات، وهي التي تقوم بين الأصوات والأفكار والأشياء، هذه هي النتائج التي يتركها في المفردات عمل العقل. وإذن فالكلمة التي تطفو في الشعور لا تكون كلمة منعزلة. فإنها متى مثلت أمامنا، ولو في صفة واحدة منعزلة من صفاتها مع بقاء صفاتها الأخرى في الظلام، جرت وراءها جحفلا من المعاني والعواطف التي ترتبط بها بعرى دقيقة على استعداد دائم للكشف عن نفسها. فالكلمات التي تختزنها في ذهننا تشارك في حياتنا العقلية والعاطفية كلها.
لذلك ربما كان من الممتع معرفة مقدارها[1].
بعض اللغويين طرحوا هذا السؤال، وحاولوا أن يجيبوا عنه بالأرقام. فزعم مكس ملر مثلا استنادا على شهادة قسيس في إحدى القرى أن مجموع الكلمات التي يستعملها فلاح إنجليزي أمي لا يتجاوز ثلاثمائة كلمة. وآخرون لم يعدموا أن يحتجوا [1] نص مكس ملر رقم 103، ص287 وما يليها.
اسم الکتاب : اللغة المؤلف : جوزيف فندريس الجزء : 1 صفحة : 239