وأضاف سيبويه قائلا: "فزعم يونس أن أبا عمرو رآه لحنا وقال احتبى ابن مروان[1] في ذِه في اللحن. يقول: لحن، وهو رجل من أهل المدينة، كما تقول اشتمل بالخطأ، وذلك أنه قرأ: {هَؤلاءِ بَنَاتي هُنَّ أَطْهَرَ لَكُمْ} فنصب.
وكان الخليل يقول: "والله إنه لعظيم جعلهم [أي المدنيين] هو فصلا في المعرفة وتصيرهم إياها بمنزلة (ما) إذا كانت ما لغوا؛ لأن هو بمنزلة أبُوهُ، ولكنهم جعلوها في ذلك الموضع لغواً كما جعلوا ما في بعض المواضع بمنزلة ليس، وإنما قياسها أن تكون بمنزلة كأنما وإنما"[2].
واعترض السيرافيّ على سيبويه في بعض ما جاء في هذه المسألة، ووجه مذهب المدنيين، فقال: "لم يجز الفصل إذا كان الاسم قبله نكرة، لأن الفصل يجري مجرى صفة المضمر، وهو، وأخواتها معارف، فلا يجوز أن يكون فصلا للنكرة، كما لا يجوز أن تكون المعارف صفات للنكرة، فإن هذا الكلام إذا حمل على ظاهره فهو غلط وسهو؛ لأن أهل المدينة لم يحك عنهم إنزال هو في النكرة منزلتها في المعرفة، والذي يحكى عنهم: هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم، لأنه من باب هو خيراً منكم، والذي أنكره سيبويه أن يجعل ما أظن أحدا هو خيراً منك بمنزلة ما أظن زيداً هو خيراً منك، فليس هذا مما حُكِيَ عن أهلِ المدينة في شيء، وقد شهد بما ذكرته ما ذكره يونس أن أبا عمرو رآه لحنا"[3].
وفي كتاب سيبويه إشارات أخرى متفرقة إلى نحويين يفهم من سياق كلامه أنهم قدماء[4]، فهل هم أو بعضهم من نحاة المدينة؟. [1] هو محمد بن مروان المدني المقرئ، كما تقدم في ترجمته في الفصل الثالث. [2] الكتاب 2/396، 397. [3] شرح كتاب سيبويه للسيرافي، الجزء الثاني، اللوحة 166 ب (عارف حكمت) . [4] ينظر: الكتاب 1/334، 2/185.