ولا غرابة في ذلك فقد أحيط ابن عباس منذ حداثته بجو علمي غني مؤثر، إذ لازم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه الأحاديث الصحيحة، وقرأ القرآن على زيد ابن ثابت، وأبيّ بن كعب، وعلي بن أبي طالب[1]، وأكبّ على لغة العرب شعرا ونثراً حتى غدا بحرا في العلوم[2].
ومن الثابت أنّ لابن عباس اليد الطولى في تأسيس علم الدلالة والمعجم العربي، وكان - رضي الله عنه - حجة في اللغة، يؤمه طلبة العلم في المدينة ثم في مكة والطائف بعد انتقاله إليهما في أواخر حياته، وتعد جهوده في شرح الغريب من القرآن أو الحديث أساساً قوياً لبعض علوم العربية.
وقد شقّ ابن عباس الطريق أمام اللغويين في مقام الاستفادة من الشعر في بناء مناهج العربية بصورة عامة وفي مجال الشرح المعجمي بصورة خاصة - كما يقول الدكتور عبد الكريم بكّار[3].
على أن جهود ابن عباس الُّلغوية توفرت على التفسير "ويغلب على الظنّ أنّ علم العربية بفروعه المختلفة كان يعرض في مجال تفسير غريب القرآن، كما يغلب على الظن أن ما ألفه أبو عمرو ويونس والكسائي وأمثالهم من كتب في معاني القرآن إنما هو تطوير لمجالس ابن عباس وحلقاته، مع الاستفادة مما استنبط من قوانين اللغة، وما فسر به الحالات الإِعرابية في قراءته"[4].
وبهذا يمكن أن يقال: إن علوم الدلالة والشعر واكبت النحو في نشأتها في المدينة.
وسنعرض - في الفصل الرابع - لشيء من تراث ابن عباس في العربية. [1] ينظر: غاية النهاية 1/426. [2] ينظر: النهاية في غريب الحديث 1/99. [3] ينظر: ابن عباس مؤسس علوم العربية 127. [4] المفصل في تاريخ النحو العربي 78.