عليه أحد من دون موافقة ولاة الأمر في عصره، ورعايتهم[1]؛ لأنَّ الأعمال الفردية في أمر عظيم يتصل برسم المصحف لا يقدم عليها فردٌ بغير إجماع من علماء المسلمين، وتعضيد من وليّ الأمر.
ويبدو أنَّ فكرة ضبط القرآن ضبطاً إعرابياً قد راودت الخلفاء الرَّاشدين منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان، بعد أن جمع المصحف، ولا نستبعد أن تكون أصولها في زمن الخليفة عمر بن الخطاب الّذي كان حريصا على لغة العرب، ولاشكَّ في أنَّ حرصه على النَّص القرآني أكبر، ولكن حداثة الإِسلام، وانشغال الأئمَّة بالفتوحات في زمنه، وانشغالهم بجمع القرآن في زمن عثمان أدَّى إلى تأخير هذا الصنيع الَّذي قام به أبو الأسود فيما بعد، حين تهيَّأت له الأسباب.
ثالثاً: ابن عبّاس (ت 68 هـ)
كان ابن عبّاس - رضي الله عنهما - يسمّى البحر، لسعة علمه[2]، وكان أعلم النّاس في زمانه بعلم العربية والشعر وتفاسير القرآن[3].
وحسبك في علم ابن عباس في مجال العربية قول ابن جني: "ينبغي أن يحسن الظن بابن عباس، فيقال: إنه أعلم بلغة القوم من كثير من علمائهم4" أي: علمائهم الذين تخصصوا في علم العربية بعد أن نضجت.
ونستطيع القول: إن لابن عباس الحظ الوافر في تأسيس علوم العربية لغة ونحوا: ودفع عجلتها بقوة، لما أثر عنه من نشاط مشهور في هذا الشأن. [1] ينظر: أثر القرآن في أصول مدرسة البصرة 39. [2] ينظر: أسد الغابة 3/187، وتحفة الأحوذي 10/327. [3] ينظر: أسد الغابة 3/187، 188.
4 المحتسب 2/342.