وصلة ابن عباس برجالات الُّلغة والمعنيين بأمرها ثابتة، ومن هؤلاء عمر ابن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبو الأسود الدؤلي.
وصلة ابن عباس بأبي الأسود بخاصة، وعلمه بالعربية تجعلاننا نقبل بعض الروايات المأثورة عن تعاون الرجلين في مجال اللغة؛ فقد روي فيما يتصل بالنحو أن ابن عباس كان يعرف شيئاً منه، وكان يأمر أبا الأسود بالمضيّ في إظهاره.
قال القفطي: "أتى أبو الأسود عبد الله بن عباس، فقال: إني أرى ألسنة العرب قد فسدت، فأردت أن أضع شيئاً لهم يقومون به ألسنتهم قال: لعلك تريد النحو، أما إنه حق، واستعن بسورة يوسف"[1].
ولا ندري مراد ابن عباس بحضّه أبا الأسود على الاستعانة بسورة يوسف، ولعله أراد أن يتخذ أبو الأسود من بعض آياتها الكريمة رائداً له[2]، مثل: {وَلِنُعلِّمهُ مِن تَأوِيل الأحَاديث} [3] أو {وَلا نُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ} [4] أو {وَعَليْهِ فَلْيَتَوَكَّل المُتَوَكِّلُون} [5] أو {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [6] أو أنه أراد أنّ في هذه السورة وحدها ما يكفيه لوضع الأسس للنحو.
ولابن عباس معرفة مؤكدة بالنحو، فقد كان ينبه الناس على اللحن، فمن ذلك أنه لقي ابن أخي عبيد بن عمير فقال: إنّ ابن عمّك لعربي، فماله يلحن في قوله: {إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصدُّوْن} إنما هي يَصِدون7 " [1] إنباه الرواة 1/51. [2] ينظر: تجديد النحو العربي 100. [3] سورة يوسف: الآية 21. [4] سورة يوسف: الآية 56. [5] سورة يوسف: الآية 67. [6] سورة يوسف: الآية 76.
7 معاني القرآن للفراء 3/36،37.