الغريبة، وفي حثه على تدبر ألفاظ القرآن ومعانيه والتماس غرائبه.
روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه " [1].
والمراد بالإعراب - هنا - معرفة معاني ألفاظه، وليس المراد به الإِعراب المصطلح عليه عند النحاة، وهو ما يقابل اللحن[2].
وقد تزايدت الحاجة إلى تفسير غريبي القرآن والحديث مع مرور الأيام، وأكثر الصَّحابة ثم التَّابعون من الاحتجاج لغريب القرآن ومشكله بالشِّعر كابن عباس[3]، الَّذي يُعد صنيعه نواة للمعجم العربي، كما سيأتي بيانه.
واقتضى ذلك من الصَّحابة التَّزوُّد باللّغة، وتأمل دقائقها، والإلمام بلغات القبائل، ليتمكَّنوا من تفسير غريب القرآن، وكان بعضهم يتحرَّج من الخوض في تفسير غرائب القرآن وَرَعاً، أو لعدم التَمكُّن في اللُّغة، وكان عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - يأمر بألا يقرئ القرآن إلا عالم باللُّغة - كما تقدم.
وإذا كان أمر القراءة يقتضي العلم باللُّغة فإنَّ أمر تفسير الغريب وكشف المشكل أدعى إلى ذلك، ولهذا أثر عن مجاهد قوله: "لا يحلّ لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلَّم في كتاب الله إذا لم يكن عالماً بلغات العرب"[4].
وهكذا أصبحت العربية من الدِّين، وغدا تعلمها لفهم مقاصد الكتاب والسنة قربة من أجلّ القربات إلى الله، ونظر بعض العلماء إلى تعلمها على أنَّه فرض واجب[5]. [1] إيضاح الوقف والابتداء1/15، والإتقان 1/149. [2] ينظر: الإتقان 1/149. [3] ينظر: الإتقان 1/149. [4] البرهان في علوم القرآن 1/292. [5] اقتضاء الصراط المستقيم 207.