بعد "مِن" في السؤال، جاز تقدير "مِن" في الجواب، وإذا حذفت "مِنْ" في السؤال؛ تضمَّنت النكرة معنى الحرف؛ فوجب أن تُبنى؛ وأما المعرفة، فلا تقع بعد "مِنْ" في الاستفهام، ألا ترى أنك لا تقول: "هل من زيد في الدار" فإذا لم تقع بعد "مِنْ" في السؤال، لم يجز تقدير "مِنْ" في الجواب، وإذا لم يجز تقدير "مِنْ" في الجواب؛ لم يتضمَّن المعرفة معنى الحرف؛ فوجب أن يبقى على أصله في الإعراب؛ فأمَّا قول الشاعر[1]: [الرجز]
لا هيثمَ الليلة في المطيّ ... [ولا فتى مثل ابن خيبري] 2
فإنما جاز؛ لأن التقدير/فيه/[3]: "لا مثل هيثم" فصار في حكم النَّكرة، فجاز أن يُبنى مع "لا"، وعلى هذا قولهم: "قضية ولا أبا حسن لها"؛ أي: ولا مثل أبي حسن، ولولا هذا التقدير؛ لوجب الرفع مع التكرير[4]؛ نحو: "لا زيد عندي ولا عمرو".
[وجوب التكرير في المعرفة]
فإن قيل: فَلِمَ وجب التكرير في المعرفة؟ قيل: لأنه جاء مبنيًّا على السؤال؛ كأنه قال: "أزيد عندك أم عمرو"؟ فقال: "لا زيد عندي ولا عمرو"؛ والدليل على أن السؤال في تقدير التكرير: أنَّ المفرد لا يفتقر إلى ذكره في الجواب، ألا ترى أنه إذا قيل: "أزيد عندك"؟ كان الجواب أن تقول: "لا" من غير أن تذكره، كأنَّك قلت: "لا أصل لذلك". فأمَّا قولهم: "لا بدَّ لك[5] أن [1] يُنسب إلى بعض بني دُبير -كما في الدرر اللوامع- من دون تحديد.
2 المفردات الغريبة: هيثم: اسم رجل كان حسب الحُداء للإبل. ابن خيبريّ: نقل محقق أسرار العربية نقلاً عن ابن الكلبي: "أنه من بني ضُبيس، جميل بن عبد الله بن معمر بن الحارث بن خيبري بن ظبيان وهو صاحب بثينة، ونسب إلى أحد أجداده؛ وقد مدحه الراجز بالفتوة؛ لأنه كان شجاعًا يحمي أدبار المطيّ من الأعداء. "أسرار العربية 250/حا1؛ نقلاً عن الخزانة، الشاهد 261".
موطن الشاهد: "لا هيثمَ".
وجه الاستشهاد: مجيء اسم "لا" النافية للجنس معرفةً؛ لكونه أراد: لا أمثال هيثم ممن يقوم مقامه في حداء المطي، فصار العلم شائعًا، إذا أدخله في جملة المنفيين. [3] سقطت من "س". [4] في "س" مع النكرة، وهو سهو من الناسخ. [5] في "س" لا نولك، وهو سهو من الناسخ.