فإذا ثبت أن يكون متصرفًا؛ وجب أن يكون فعلاً.
والوجه الثاني: أنه يدخله الحذف، والحذف إنما يكون في الفعل لا في الحرف، ألا ترى أنهم قالوا في حاشا لله: حاشَ لله؛ ولهذا، قرأ أكثر القرَّاء بإسقاط الألف: {حَاشَ لِلَّهِ} [1].
والوجه الثالث: أنَّ لام الجر يتعلق به في قولهم: "حاشا الله" وحرف الجر إنما يتعلق بالفعل لا بالحرف؛ لأن الحرف لا يتعلق بالحرف.
والصحيح: ما ذهب إليه البصريون؛ وأما قول الكوفيين: إنه يتصرف بدليل قوله: "وما أحاشي" فليس فيه حُجة؛ لأن قوله "أحاشي" مأخوذ من لفظ "حاشى" وليس مُتصرفًا/منه/[2]، كما يقال: بسمل، وهلل، وحمدل، وسبحل، وحَوقَل، إذا قال: بسم الله، ولا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا[3] كانت هذه الأشياءُ لا تتصرف، فكذلك ههنا. وقولهم: إنه يدخله الحذف، والحذف لا يدخل الحرف؛ قلنا: لا نُسلِّم، بل الحذف قد يدخل الحرف، ألا ترى/ أنهم/[4] قالوا في رُبَّ: رُبَ؟ وقد قُرئ بهما؛ قال الله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [5] /قرئ/[6] بالتشديد والتخفيف؛ وفي "رُبَّ" أربع لغات: بضم الراء وتشديد الباء وتخفيفها، وبفتح الراء وتشديد الباء وتخفيفها، وكذلك حكيتم عن العرب أنهم قالوا في: "سوف أفعل: سو أفعل" وهو حرف، وزعمتم أن الأصل في سأفعل: سوف أفعل؛ فحذفت الفاء والواو معًا، فدل على أن الحذف يدخل الحرف، وأما قولهم: إن لام الجر تتعلق به؛ قلنا: لا نُسلِّم، فإن اللام في قولهم: "حاشَ لله" زائدة، فلا تتعلق بشيءٍ؛ كقوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ [1] س: 12 "يوسف، ن: 31، مك". حاشا لله ما هذا بشرًا. وكذلك في الآية "51": حاشا لله ما علمنا عليه من سوء. [2] سقطت من "س". [3] في "س" وإن. [4] سقطت من "س". [5] س: 15 "الحجر: 2، مك". [6] سقطت من "ط".