لهم فيه، وأما قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} فلا حُجَّة لهم فيه من وجهين:
أحدهما: أنَّا نقول: في الآية تقديم وتأخير؛ والتقدير فيه[1]: إن الذين آمنوا والذين هادوا ومن آمن بالله واليوم الآخر، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والصابئون والنصارى كذلك.
والوجه الثاني: أن تجعل[2] قوله: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} خبر الصابئين والنصارى، وتضمر للذين آمنوا والذين هادوا /خبرًا/[3] مثل الذي أظهرت للصابئين والنصارى، ألا ترى أنك تقول: "زيد وعمرو قائم" فتجعل: قائمًا خبرًا لعمرو، وتضمر لزيد خبرًا آخر مثل الذي أظهرتَ لعمرو، وإن شئت جعلته خبرًا لزيد، وأضمرت لعمرو خبرًا؛ كما قال الشاعر[4]: [الوافر]
وإلا فاعلموا أنَّا وأنتم ... بُغَاةٌ ما بقينا في شقاق5
وإن شئت جعلت قوله "بغاة" خبرًا للثاني، وأضمرت للأول خبرًا، وإن شئت جعلته خبرًا للأول، وأضمرت للثاني خبرًا على ما بينّا.
وأما قول بعض العرب "إنك وزيد ذاهبان" فقد ذكره [6] سيبويه أنه غلط من بعض العرب، وجعله بمنزلة قول الشاعر[7]: [الطويل]
بَدَا لِي أَنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ مَا مَضَى ... وَلاَ سَابِقٍ شَيئًا إِذَا كَانَ جَائِيا [1] في "س" فيها. [2] في "ط" يجعل. [3] سقطت من "ط". [4] الشاعر هو: بشر بن أبي خازم الأسدي، شاعر فحل شجاع من أهل نجد. مات سنة 92هـ.
5 المفردات الغريبة: بغاة: جمع باغٍ وهو من تجاوز الحد في العدوان. الشقاق: النزاع والخصومة.
موطن الشاهد: "أنا وأنتم بغاة".
وجه الاستشهاد: جواز كون "بغاة" خبرا لـ "أنتم" على إضمار خبر أنَّا؛ والتقدير: أنا بغاة وأنتم بغاة. وجواز كونه خبرا لـ "أنَّا" على إضمار خبر أنتم؛ وكلاهما جائز. وأجاز الأعلم الشنتمري أن يكون خبر "أن" محذوفًا، دل عليه خبر المبتدأ الذي بعدها. وأجاز الفراء وشيخه الكسائي أن يعطف بالرفع على اسم "إن" قبل أن يذكر الخبر. [6] في "ط" ذكره. [7] الشاعر هو: زهير بن أبي سلمى المزني، شاعر جاهلي حكيم، من المعمرين، ومن أصحاب المعلقات؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة 13 ق. هـ. الشعر والشعراء 1/ 137.
موطن الشاهد: "ولا سابق".
وجه الاستشهاد: جر "سابق" عطفًا على خبر ليس "مدرك"؛ لتوهمه أن الخبر مجرور؛ لكثرة مجيئه مجرورًا بالباء الزائدة؛ ويروى: ولا سابقا، ولا شاهدَ فيه على هذه الرواية.