وكما أنَّ عسى تُشَبَّه بـ "كاد" في حذف "أن" معها، فكذلك كاد تُشَبَّه بـ "عسى" في إثباتها معها؛ قال الشاعر[1]: [الرجز]
[رَبْعٌ عَفَاهُ الدَّهْر طَوَرًا فامَّحَى] ... قَدْ كَاد مِنْ طُولِ البِلى أَنْ يَمْصَحَا2
فأثبت "أن" مع كاد، وإن كان الاختيار حذفها، حملاً على عسى؛ فدل على وجود المشابهة بينهما.
[عِلَّة حذف أن من خبر كاد]
فإن قيل: وَلِمَ كان الاختيار مع كاد حذف "أنْ" وهي كعسى في المقاربة؟ قيل: هما وإن اشتركا في الدَّلالة على المقاربة إلا أن كاد أبلغ في تقريب الشيء من الحال، وعسى أذهب في الاستقبال، ألا ترى أنك لو قلت: "كاد زيد يذهب بعد عام" لم يجز؛ لأن "كاد" توجب أن يكون الفعل شديد القرب من الحال، ولو قلت: عسى الله أن يدخلني الجنة برحمته؛ لكان جائزًا، وإن لم يكن شديد القرب من الحال، فلما كانت كاد أبلغ في تقريب الشيء من الحال، حذف معها "أن" التي هي علم الاستقبال، ولما كانت عسى أذهب في الاستقبال؛ أُتي معها بأن التي هي علم الاستقبال.
فإن قيل: فما موضع "أنْ" مع صلتها /في/[3] نحو: "عسى أن يخرج زيد"؟ قيل، موضعها[4] مع صلتها[5] الرّفع بأنه فاعل كما كان زيد مرفوعًا بأنه فاعل في نحو: "عسى زيد أن يخرج".
[عدم جواز حذف أن حال كونها مع صلتها في محل رفع فاعل]
فإن قيل: فهل يجوز أن تحذف "أن" إذا كانت مع صلتها في موضع رفع؟ قيل: لا يجوز ذلك؛ لأن[6] من شرط الفاعل أن يكون اسْمًا لفظًا ومعنى، وإذا قلت: عسى يخرج زيد، فقد جعلت الفعل فاعلاً، والفعل لا يكون فاعلاً؛ لأن [1] نُسب هذا الشاهد إلى رؤبة بن العجّاج، وقد سبقت ترجمته.
2 المفردات الغريبة: الرَّبع: المنزل. عفاه: درسه. البِلى: الدُّروس والاندثار. أمصح: أَخلق.
موطن الشاهد: "كاد ... أن يمصحا.
وجه الاستشهاد: أثبت الشاعر "أن" في خبر "كاد" حملاً لها على عسى للضرورة الشعرية؛ لأن المشهور إسقاطها. [3] سقطت من "ط". [4] في "س" موضعه. [5] في "س" صلته. [6] في "س" لأنه.