اسم الکتاب : وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى المؤلف : السمهودي الجزء : 1 صفحة : 282
المعروفة اليوم بالمخلقة، وهي التي بأوسط الروضة، وهو مردود؛ لأن الأسطوانة المذكورة ليست علما على مصلى الرسول عليه السلام اتفاقا، ومنشأ الوهم ظنهم اختصاصها بوصف المخلقة، وممن اعتقد ذلك الحافظ ابن حجر فقال في الكلام على قول يزيد بن عبيد: «كنت آتي مع سلمة بن الأكوع فيصلي عند الأسطوانة التي عند المصحف» ما لفظه: هذا دال على أنه كان للمصحف موضع خاص به، ووقع عند مسلم بلفظ:
يصلي وراء الصندوق، وكأنه كان للمصحف صندوق يوضع فيه، قال: والأسطوانة المذكورة حقق لنا بعض مشايخنا أنها المتوسطة في الروضة، وأنها تعرف بأسطوانة المهاجرين، وأسرت بها عائشة لابن الزبير، ثم وجدت ذلك في تاريخ المدينة لابن النجار، وذكره قبله محمد بن الحسن في أخبار المدينة، هذا كلام الحافظ ابن حجر، ومراده بمحمد بن الحسن ابن زبالة، وليس في كلامه ولا في كلام ابن النجار ما يقتضي أن الأسطوانة التي عند الصندوق هي أسطوانة المهاجرين، إلا من حيث وصف كل منهما بالمخلقة، فتوهم اتحادهما، وليس كذلك، والله أعلم.
محراب المسجد النبوي، ومتى صنع؟
وسيأتي أن المسجد الشريف لم يكن له محراب في عهده صلّى الله عليه وسلّم ولا في عهد الخلفاء بعده، وأن أول من أحدثه عمر بن عبد العزيز في عمارة الوليد، وزعم الأقشهري في روضته أن مصلى النبي صلّى الله عليه وسلّم في موضع الصندوق، وفي موضعه اليوم المحراب المرخم المرتفع عن المصلى الشريف وبنائه، فإنه قال ومن خطه نقلت: إنه قيل: إن منبر النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يتغير تقديما ولا تأخيرا؛ فالزيادة وقعت في المنبر شماليا لا غير، وحد المنبر الأصلي اليوم مساوية مع مصلى الإمام، ومصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمامه في موضع الصندوق اليوم فهو خارج عن حد المنبر، انتهى. واستنتج من ذلك أن يكون ما حاذى الصندوق يمنة ويسرة، قال: وهو مما زاده عمر روضة من رياض الجنة، قال: لأن المصلى الشريف روضة بلا شك، أي فما حاذاه كذلك، وهو عجيب لم أر من سبقه إليه، وما زعمه من أن حد المنبر- يعني من القبلة- مساو لمصلى الإمام اليوم، يريد به أن نهاية مصلى الإمام اليوم مساوية لنهاية المنبر من جهة القبلة، فإنه صور ذلك بخطه كما ذكرناه، وكأنه توهم أن مصلاه صلّى الله عليه وسلّم كان في محراب بارز عن سمت المسجد؛ لأنه جعل ما عن يمينه ويساره من زيادة عمر رضي الله عنه، ولم يقل به أحد، مع أن ما زعمه من الاستواء لا يشهد له عقل ولا نقل؛ لأن المنبر الذي كان في زمنه هو المنبر الذي كان في زمن المطري، فإنهما متعاصران، وقد سبق عن المطري في الفصل قبله أن بين المنبر والدرابزين الذي في القبلة مقدار أربع أذرع وربع، وأنه اتضح لنا صحة ما قاله، وذلك هو محل المنبر النبوي كما
اسم الکتاب : وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى المؤلف : السمهودي الجزء : 1 صفحة : 282