اسم الکتاب : وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى المؤلف : السمهودي الجزء : 1 صفحة : 225
لبس لأمته يشبه النبي صلّى الله عليه وسلّم فلما قتله ظن أنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرجع إلى قريش وقال: قد قتلت محمدا، فازدادوا جرأة وصاح إبليس من العقبة: قتل محمد، فلما سمع المسلمون ذلك وهم متفرقون كانت الهزيمة، فلم يلو أحد على أحد [1] .
والصواب أن السبب مخالفة الرماة للأمر، وهذا مؤكد له ومتمم، مع أن الأصل في ذلك- مع إرادة الله تعالى- ما اتفق ببدر من أخذ الفداء، فقد أخرج الترمذي والنسائي عن علي أن جبريل هبط فقال: خيّرهم في أسارى بدر القتل أو الفداء على أن يقتل منهم من قابل مثلهم، قالوا: الفداء ويقتل منا، وقال الترمذي: حسن، وذكر غيره له شواهد تقويه، ولهذا جاء في الصحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة، وقتلوا سبعين، وأسروا سبعين. وفيه أيضا أن المشركين أصابوا يوم أحد من المسلمين سبعين، ولفظه من حديث البراء قال: لقينا المشركين يومئذ، وأجلس النبي صلّى الله عليه وسلّم جيشا من الرماة، وأمّر عليهم عبد الله بن جبير، وقال: لا تبرحوا، فإن رأيتمونا ظهرنا عليهم [2] فلا تبرحوا [3] ، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا، فلما لقيناهم هربوا حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل رفعن عن سوقهن قد بدت خلا خلهن، فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة، فقال عبد الله: عهد إلي النبي صلّى الله عليه وسلّم ألاتبرحوا، فأبوا، فلما أبوا صرف الله وجوههم، فأصيب سبعون قتيلا.
ووقع عند مسلم من طريق ابن عباس عن عمر في قصة بدر قال: فلما كان يوم أحد قتل منهم سبعون وفروا، وكسرت رباعية النبي صلّى الله عليه وسلّم وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، فأنزل الله تعالى: أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها [آل عمران:
165] الآية، والمراد بكسر الرباعية- وهي السن التي تلي الثنية والناب- أنها كسرت فذهب منها فلقة، ولم تقلع من أصلها، وقوله «وفروا» أي: بعضهم، أو أطلق ذلك باعتبار تفرقهم، والواقع أنهم صاروا ثلاث فرق: فرقة استمروا في الهزيمة إلى قرب المدينة، فما رجعوا حتى انقضى القتال، وهم قليل، وهم الذين نزل فيهم: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ [آل عمران: 155] وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قتل، فصار غاية الواحد منهم أن يذب عن نفسه، أو يستمر على نصرته في القتال إلى أن يقتل، وهم أكثرهم، وفرقة بقيت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم تراجع إليهم القسم الثاني شيئا فشيئا لما عرفوا أنه حي، وما ورد من الاختلاف في العدد محمول على تعدد المواطن في القصة. [1] لا يلو أحد على أحد: لا يقيم عليه ولا ينتظره. [2] ظهر على عدوه: غلبه. [3] برح مكانه: زال عنه وغادره.
اسم الکتاب : وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى المؤلف : السمهودي الجزء : 1 صفحة : 225