اسم الکتاب : وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى المؤلف : السمهودي الجزء : 1 صفحة : 215
قلت: قد تقدم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان قد وادع اليهود، وكانوا يرجعون إلى ثلاث طوائف:
بني قينقاع، والنضير، وقريظة، فنقض الثلاثة العهد طائفة بعد طائفة، فأول من نقض منهم بنو قينقاع فحاربهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد بدر في شوال، فألقى الله الرعب في قلوبهم، فنزلوا على حكمه، فأراد قتلهم، فاستوهبهم منه عبد الله بن أبي وكانوا حلفاءه فوهبهم له، وأخرجهم من المدينة إلى أذرعات، وفي الاكتفاء: وكان منشأ أمرهم، يعني في نقض العهد، أن امرأة من العرب قدمت بجلب [1] لها، فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقلته، فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فوقع الشر بينهم وبين المسلمين، فحاصرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى نزلوا على حكمه.
وروي أن ابن أبيّ قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: يا محمد، أحسن في موالي، فأعرض عنه، وأنه قال: أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة، إني والله امرؤ أخشى الدوائر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هم لك، وقال مغلطاي في غزوة بني قينقاع، قال الحاكم: هذه وبني النضير واحد، وربما اشتبهتا على من لا يتأمل، وقال الحافظ ابن حجر بعد ذكر أنهم أول من نقض العهد: فغزاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم بني النضير، وأغرب الحاكم فزعم أن إجلاء بني قينقاع وإجلاء بني النضير كان في زمن واحد ولم يوافق على ذلك؛ لأن إجلاء بني النضير كان بعد بدر بستة أشهر على قول عروة، أو بعد ذلك بمدة طويلة على قول ابن إسحاق، وذكر الواقدي أن إجلاء بني قينقاع كان في شوال سنة اثنتين، يعني بعد بدر بشهر، ويؤيده ما روى ابن إسحاق بإسناد حسن عن ابن عباس قال: لما أصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قريشا يوم بدر جمع يهود في سوق بني قينقاع فقال: يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم ما أصاب قريشا، فقالوا: إنهم كانوا لا يعرفون القتال، ولو قاتلتنا لعرفت أنا الرجال؛ فأنزل الله: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إلى قوله: لِأُولِي الْأَبْصارِ [آل عمران: 12- 13] وأصاب صلّى الله عليه وسلّم من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف ودر عين أحدهما تسمى فضة والآخرى تسمى السغدية (بالسين المهملة والغين المعجمة) قال بعض الحفاظ: وكانت السغدية درع داود عليه السلام التي لبسها حين قتل جالوت، والله أعلم.
غزوة السويق
قلت: سميت به لأنه كان أكثر زاد المشركين، وغنمه المسلمون لأن أبا سفيان خرج [1] الجلب: ما جلب من إبل وغنم ومتاع من البادية للتجارة.
اسم الکتاب : وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى المؤلف : السمهودي الجزء : 1 صفحة : 215