اسم الکتاب : وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى المؤلف : السمهودي الجزء : 1 صفحة : 122
النذر الحادثة في عام النار والذي يليه
ومن العجائب أن في السنة التي ظهرت فيها هذه النار احترق المسجد الشريف النبوي بعد انطفائها كما سيأتي، وزادت دجلة زيادة عظيمة فغرق أكثر بغداد وتهدمت دار الوزير، وكان ذلك إنذارا لهم، وليتهم اتعظوا.
ثم في أول السنة التي تلي هذه السنة وقعت الطامة الكبرى، وهي أخذ التتار لبغداد وقتل الخليفة المستعصم وبعده المسلمون، وبذل السيف ببغداد نيفا وثلاثين يوما، وأخرجت الكتب فألقيت تحت أرجل الدواب، وشوهد بالمدرسة المستنصرية معالف الدواب مبنية بالكتب موضع اللبن [1] ، وخلت بغداد من أهلها، واستولى عليها الحريق على ما ذكره سعيد الذهلي، واحترقت دار الخلافة، وعم الحريق أكثر الأماكن حتى القصور البرانية وترب الرصافة مدفن ولاة الخلافة، وشوهد على بعض حيطان منها مكتوب:
إن ترد عبرة فهذا بنو ... العباس دارت عليهم الدائرات
استبيح الحريم إذ قتل الأحي ... اء منهم وأحرق الأموات
ثم كثر الموت والفناء ببغداد، وطوى بساط الخلافة منها من ذلك الزمان، فلله الخلق والأمر!
وقد نظم بعضهم خروج هذه النار وغرق بغداد، وأصلحه أبو شامة منبها على أن الأمرين في سنة بقوله:
سبحان من أصبحت مشيئته ... جارية في الورى بمقدار
في سنة أغرق العراق، وقد ... أحرق أرض الحجاز بالنار
بعض ما يناسب هذه النار
قال المجد: ومما يناسب هذه النار ويضاهيها ما حكاه ابن جبير أنه رأى من أخبره أن في بحر رومية جزيرتين يخرج منهما النار دائما، قال: وأبصرنا الدخان صاعدا منهما، وتظهر بالليل نار حمراء ذات ألسن تصعد في الجو، قال: وأعلمنا أن خروجها من جبلين يصعد منهما نفس ناري شديد، وربما قذف فيها الحجر فتلقى به مسودا إلى الهواء بقوة ذلك النفس، وتمنعه من الانتهاء إلى القعر، قال: وأما الجبل الشامخ الذي بالجزيرة المعروف بجبل النار فشأنه أيضا عجيب، وذلك أن نارا تخرج منه في بعض السنين كالسيل [1] اللّبن: المضروب من الطين النيئ يا بنى به دون أن يطبخ.
اسم الکتاب : وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى المؤلف : السمهودي الجزء : 1 صفحة : 122