اسم الکتاب : مسالك الأبصار في ممالك الأمصار المؤلف : العمري، ابن فضل الله الجزء : 3 صفحة : 535
حلب
وحلب مدينة عظيمة قديمة، أم أقاليم وبلاد وأغوار وأنجاد؛ وبها معظم قلاع الشام ومعاقله وحصونه (المخطوط ص 271) وثغوره، وتسمى حلب الشهباء.
وهي ذات القلعة البديعة العلية المنار، وهي أعني حلب في وسط وطأة حمراء ممتدة، والقلعة على تل عليّ، كانت قد عظمت أيام بني حمدان، وتاهت بهم شرفا على كيوان ثم جاءت الدولة الأتابكية [1] فزادت فخارا، واتخذت لها من بروج السماء منطقة وأسوارا، ولم تزل على هذا يشار إليها بالتعظيم ويأبى أهلها في الفضل عليها لدمشق التسليم حتى وطئها هولاكو بحوافر خيله، وأقام عليها مفرقا في أقطار الشام بعوث سراياه وجنده، فهدمت أسوارها وخربت حوافرها، فأصبحت يرثى لها الشامت ويبكى بها اللاهى، وهي على ما توالى عليها من المحن، وأطاف بها من نوب الأيام مصر جامع، ومبصر رائع، مبنية بالحجر الأصفر، الذي لا يوجد مثله في البلاد، كأنها به رافلة في حلل الديباج، مائلة في ذهبية الأصيل.
وبها الديار العظيمة والجامع ذو المئذنة [2] العليا الفائقة والمارستان والمساجد والمدارس والربط والخوانق ووجوه البر الدائم والصدقات الجارية، ويجرى إلى داخل المدينة فرع ماء، يتشعب في دورها ومساكنها، وهو قليل نزر، لا يبل صداها، ولا يكفي بغيتها ولها الصهاريج المملوءة من ماء الأمطار، صافية الغطاف، باردة الزلال، منه شرب أهلها.
ويدخل إليها الثلج من بلادها وليس لأهلها إليه كبير التفات لبرد هوائهم [1] الدولة الأتابكية نسبة إلى الأتابك عماد الدين زنكي مؤسسها وكان مشهورا برعايته لأهل العلم، حارب هو وولده نور الدين محمود الصليبيين (انظر: ابن خلكان 5/184) . [2] وردت بالمخطوط المأذنة.
اسم الکتاب : مسالك الأبصار في ممالك الأمصار المؤلف : العمري، ابن فضل الله الجزء : 3 صفحة : 535