اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 37
قد جللته تصاوير آدمية رائقة المنظر رائعة الشكل قد اعدت لكل صورة منها هيئة هي عليها كامساك تمثال بيدها أو سلاح أو طائر أو كأس أو إشارة شخص إلى آخر بيده أو غير ذلك مما يطول الوصف له ولا تتأتى العبارة لاستيفائه.
وداخل هذا الهيكل العظيم وخارجه وأعلاه وأسفله تصاوير كلها مختلفات الأشكال والصفة منها تصاوير هائلة المنظر خارجة عن صور الادميين يستشعر الناظر إليها رعبا ويتملأ منها عبرة وتعجبا ومافيه مغرز إشفا[1] ولا إبرة إلا وفيه صورة أو نقش أو خط بالمسند[2] لا يفهم قد عم هذا الهيكل العظيم الشأن كله هذا النقش البديع ويتأتى في صم الحجارة من ذلك ما لا يتأتى في الرخو من الخشب فيحسب الناظر استعظاما له أن عمر الزمان لو شغل بترقيشه وترصيعه وتزيينه لضاق عنه فسبحان الموجد للعجائب لا إله سواه.
وعلى أعلى هذا الهيكل سطح مفروش بألواح الحجارة العظيمة على الصفة المذكورة وهو في نهاية الارتفاع فيحار الوهم فيها ويضل العقل في الفكرة في تطليعها ووضعها.
وداخل هذا الهيكل من المجالس والزوايا والمداخل والمخارج والمصاعد والمعارج والمسارب والموالج وما تضل فيه الجماعات من الناس ولا يهتدى بعضهم لبعض إلا بالنداء العالي وعرض حائطه ثمانية عشر شبرا وهو كله من حجارة مرصوصة على الصفة التي ذكرناها.
وبالجملة فشأن هذا الهيكل عظيم ومرآه إحدى عجائب الدنيا التي لا يبلغها الوصف ولا ينتهي إليها الحد وإنما وقع الالماع بنبذة من وصفه دلالة عليه، [1] الإشفى: المثقب أو المخرز. [2] أراد بالخط المسند الهيروغليفي.
اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 37