اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 305
ذكر المدينة التي هي حضرة صقلية أعادها الله
هي بهذه الجزائر أم الحضارة والجامعة بين الحسنين غضارة ونضارة فما شئت بها من جمال مخبر ومنظر ومراد عيش يانع اخضر عتيقة انيقة مشرفة مؤنقة تتطلع بمرأى فتان وتتخايل بين ساحات وبسائط كلها بستان فسيحة السكك والشوارع تروق الأبصار بحسن منظرها البارع عجيبة الشان قرطبية البنيان مبانيها كله بمنحوت الحجر المعروف بالكذان[1]، يشقها نهر معين ويطرد في جنباتها أربع عيون قد زخرفت فيها لملكها دنياه فاتخذها حضرة ملكه الإفرنجي إباده الله تنتظم بلبتها قصوره انتظام العقود في نحور الكواعب ويتقلب من بساتينها وميادينها بين نزهة وملاعب فكم له فيها لا عمرت به من مقاصير ومصانع ومناظر ومطالع وكم له بجهاتها من ديارات قد زخرف بنيانها ورفه بالإقطاعات[2] الواسعة رهباتها وكنائس قد صيغ من الذهب والفضة صلبانها وعسى الله عن قريب أن يصلح لهذه الجزيرة الزمان فيعيدها دار إيمان وينقلها من الخوف للأمان بعزته إنه على ما يشاء قدير.
وللمسلمين بهذه المدينة رسم باق من الإيمان يعمرون أكثر مساجدهم ويقيمون الصلاة بآذان مسموع ولهم أرباض قد انفردوا فيها بسكناهم عن النصارى والأسواق معمورة بهم وهم التجار فيها ولا جمعة لهم بسبب الخطبة لمحظورة عليهم ويصلون الأعياد بخطبة دعاؤهم فيها للعباسي ولهم بها قاض يرتفعون إليه في أحكامهم وجامع يجتمعون للصلاة فيه ويحتلفون في وقيده[3] في هذا الشهر المبارك وأما المساجد فكثيرة لا تحصى وأكثرها محاضر [1] الكذان: الحجارة الرخوة النخرة. [2] الإقطاعات: أراد الأموال الموقوفة على الكنائس. [3] شموعه التي يوقدونها.
اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 305