responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير    الجزء : 1  صفحة : 294
بسكانية وهما رجلاه اللتان يصرف بهما وقامت الصيحة الهائلة في المركب فجاءت الطامة الكبرى والصدعة التي لم نطق لها جبرا والقارعة الصماء التي لم تدع لنا صبرا والتدم النصارى التداما واستسلم المسلمون لقضاء ربهم استسلاما ولم يجدوا سوى حبل الرجاء استمساكا واعتصاما.
وتعاورت[1] الريح والأمواج صفع المركب حتى تكسرت رجله الواحدة فألقى الرائس مرسى من مراسيه طمعا في تمسكه به فلم نغن شيئا فقطع حبله وتركه في البحر، فما تحققنا أنها هي قمنا فشددنا للمو ت حيازيمنا[2] وأمضينا على الصبر الجميل عزائمنا وأقمنا نرتقب الصباح أو الحين المتاح وقد علا الصياح وارتفع الصراخ من أطفال الروم ونسائهم وألقى الجميع عن يد الإذعان وقد حيل بين العير والنزوان[3]. ونحن قيام نبصر البر قريبا ونتردد بين أن نلقي بأنفسنا إليه سبحا أو ننتظر لعل الفرج من الله يطلع صبحا فأحضرنا نية الثبات والبحريون قد ضموا العشاري[4] لإخراج المهم من رجالهم ونسائهم وأسبابهم فساروا به إلى البر دفعة واحدة ثم لم يطيقوا رده وقذفته الموج مكسرا على ظهر البر فتمكن حينئذ اليأس من النفوس، وفي أثناء مكابدة هذه الأهوال أسفر الصبح فجاء نصر الله والفتح وحققنا النظر فإذا بمدينة مسينة أمامنا على أقل من نصف الميل وقد حيل بيننا وبينها فعجبنا من قدرة الله عز وجل في تصريف أقداره وقلنا: رب مجلوب إليه حتفه في عتبة داره.

[1] تعاورت: تداولت.
[2] الحيزوم: الصدر، وشده يدل على التأهب.
[3] النزوان: الوثوب. وهذا مثل يريد به أن كل فرصة للنجاة قد ضاعت.
[4] العشاري: زورق النجاة.
اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير    الجزء : 1  صفحة : 294
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست