اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 199
الأشرف والجناب الأرأف ثم سلك سبيله في الوعظ كل ذلك بديهة لا روية ويصل كلامه في ذلك بالآيات المقروءات على النسق مرة أخرى فأرسلت وابلها العيون وابدت النفوس سر شقها المكنون وتطارح الناس عليه بذنوبهم معترفين وبالتوبة معلنين وطاشت الألباب والعقول وكثر الوله والذهول وصارت النفوس لا تملك تحصيلا ولا تميز معقولا ولا تجد للصبر سبيلا.
ثم في أثناء مجلسه ينشد بأشعار من النسيب مبرحة التشويق بديعة الترقيق تشعل القلوب وجدا ويعود موضعها النسيبي زهدا وكان آخر ما انشده من ذلك وقد أخذ المجلس مأخذه من الاحترام وأصابت المقاتل سهام ذلك الكلام:
أين فؤادي أذابه الوجد
...
وأين قلبي فما صحا بعد
يا سعد زدني جوى بذكرهم
...
بالله قل لي فديت يا سعد
ولم يزل يرددها والانفعال قد اثر فيه والمدامع تكاد تمنع خروج الكلام من فيه إلى أن خاف الافحام فابتدر القيام ونزل عن المنبر دهشا عجلا وقد أطار القلوب وجلا وترك الناس على احر من الجمر يشيعونه بالمدامع الحمر فمن معلن بالانتحاب ومن متعفر في التراب فياله من مشهد ما أهول مرآه وما أسعد من رآه نعفنا الله ببركته وجعلنا ممن فاز به بنصيب من رحمته بمنه وفضله.
وفي أول مجلسه انشد قصيدا نير القبس عراقي النفس في الخليفة أوله:
في شغل من الغرام شاغل
...
من هاجه البرق بسفح عاقل
يقول فيه عند ذكر الخليفة:
يا كلمات الله كوني عوذة
...
من العيون للإمام الكامل
اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 199