اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 165
وإسراؤها بالليل بمشاعيل موقدة يمسكها الرجالة بأيديهم فلا تبصر قشاوة من القشاوات إلا وأمامها مشعل فالناس يسيرون منها بين كوكب سيارة توضح غسق الظلماء وتباهي بها الأرض انجم المساء والمرافق الصناعية وغيرها من المصالح الدينية والمنافع الحيوانية كلها موجودة بهذه المحلة غير معدومة ووصفها يطول والأخبار عنها لاتنحصر.
فلما كان ظهر يوم الإثنين إثر الصلاة أقلعنا من خليص مرتحلين وتمادى سيرنا إلى العشاء الآخرة ثم نزلنا ونمنا نومة خفيفة ثم ضرب الكوس فأقلعنا وأسرينا إلى ضحى من النهار ثم نزلنا مريحين إلى أول الظهر من يوم الثلاثاء ثم أقلعنا من منزلنا ذلك إلى واد يعرف بوادي السمك اسم يكاد يكون وقاعا على غير مسمى فنزلناه مع العشاء الآخرة واصبحنا به مقيمين يوم الأربعاء لتجديد حمل الماء وهو بهذا الوادي في مستنقعات وربما حفر عليه في الرمل فأقلعنا منه أول ظهر يوم الأربعاء المذكور ثم أجزنا مع الليل عقبة محجرة كؤودا ذهب فيها من الجمال كثير ونزلنا في بسيط من الأرض ونمنا إلى نصف الليل ثم رحلنا في مهمة أفيح بسيط ممتد مد البصر ورملة منثالة[1] فمشت الجمال فيهادون مقطرة[2] لانفساح طريقها.
ثم نزلنا مريحين قائلين يوم الخميس التاسع والعشرين من ذي الحجة وبيننا وبين بدر مقدار مرحلتين
فلما كان أول الظهر رحلنا إلى مقربة من بدر فنزلنا بائتين ثم قمنا قبل نصف الليل فوصلنا بدرا وقدارتفع النهار. وهي قرية فيها حدائق نخل متصلة وبها حصن في ربوة مرتفعة ويدخل إليها على بطن واد بين جبال وببدر عين فوارة وموضع القليب الذي كان بإزائه الوقعة السلامية التي اعزت الدين وأذلت المشركين هو اليوم نخيل وموضع الشهداء خلفه وجبل الرحمة الذي نزلت فيه الملائكة عن يسار الداخل [1] منثالة: منصبة. [2] مقطرة: مصفوفة في قطار، أي بعضها وراء بعض.
اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 165