اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 164
بذلك معرفا بهذا الضال ومناديا باسم الجمال وبلده إلى أن يقع عليه فيؤديه إليه ولو لم يفعل ذلك لكان آخر عهده بصاحبه إلا إن يلتقطه التقاطا أو يقع عليه اتفاقا فهذا من بعض عجائب شئون هذه المحلة وعجائبها أكثر من أن يحيط بها الوصف ولأهلها من قوة الجدة واليسار ما يعينهم على ما هم بسبيله والملك بيد الله يؤتيه من يشاء.
ولهؤلاء النسوة الخواتين في كل عام إذا لم يحججن بأنفسهن نواضح مسبلة مع الحاج يرسلنها مع ثقات يسقون أبناء السبيل في المواضع المعروف فيها الماء في الطريق كله وبعرفات وبالمسجد الحرام في كل يوم وليلة فلهن في ذلك اجر عظيم وما التوفيق إلا بالله جل جلاله. فتسمع لمنادي على النواضح يرفع صوته بالماء اللسبيل فيهطع إليه المرملون[1] من الزاد والماء بقربهم وأباريقهم فيملؤونها ويقول المنادي في اشادته بصوته ابقى الله الملكة خاتون ابنة الملك الذي من أمره كذا ومن شأنه كذا ويحليه بحلاه[2] إعلانا باسمها وإظهارا لفعلها واستجلابا للدعاء لها من الناس والله لايضيع أجر من أحسن عملا وقد تقدم تفسير هذه اللفظة خاتون وانها عندهم بمنزلة السيدة أو ما يليق بهذا اللفظ الملوكي النسائي.
ومن عجيب هذه المحلة أيضا على عظمها وكبرها وكونها وجود دنيا بأسرها أنها إذا حطت رحالها ونزلت منزلها ثم ضرب الأمير طبله للانذار بالرحيل ويسمونه الكوس لم يكن بين استقلال الرواحل بأوقارها ورحالها وركباها إلا كلا ولا فلا يكاد يفرغ الناقر من الضربة الثالثة إلا والركائب قد أخذ ت سبيلها كل ذلك من قوة الاستعداد وشدة الاستظهار على الاسفار والحول والقوة لله وحده لا إله سواه. [1] يهطع: يسرع. المرملون: الذين نفد زادهم. [2] يحليه: يصفه. وحلاه: صفاته.
اسم الکتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت المؤلف : ابن جبير الجزء : 1 صفحة : 164