responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم    الجزء : 1  صفحة : 463
ويقال [1] إن ملكها كان ملكاً جبّاراً عظيم الشأن، وكان ملك أكثر الأرض وكان يسمى أنبيل [2] فدخل بلاد الروم وقتل ملوكها وأخذ بلادهم، وبعث إلى قرطاجنة من خواتيم الملوك الذين قتلهم ثلاثة أمداد، ويقال إنه نازل مدينة رومة الكبرى التي هي دار مملكة الروم، فلما حاصرها وضيق على ملكها [3] وأفسد أنظارها أرسل ملك رومة قائداً من قواده، فحشد من كان ببلاده من الروم والجيوش، وأمره بالوصول إلى بلاد إفريقية والنزول على قرطاجنة وخرابها، وكان اسم هذا القائد شيبيون [4] ، فخربوا بلاد إفريقية، ونزلوا بلاد قرطاجنة فلم يكن فيها من يقاوم، فأرسلوا إلى ملكهم أنبيل يعلمونه بما حلّ ببلادهم من أهل رومة، ويسألونه الإسراع لإغاثتهم، فعجب من ذلك ملك قرطاجنة وقال: أردت قطع الرومانيين من الدنيا، وأظن إله السماء أراد غير ذلك، ثم رجعِ إلى بلاده فزعاً، فزحف إليه شيبيون قائد صاحب رومة فهزمه مراراً عدة حتى قتله واستأصل عسكره، ودخل قرطاجنة فهدمها، وأحرقها وخرب المسلمون عند فتح إفريقية بقيتها.
وكان بها [5] قصر من أغرب ما يكون من البناء، مفرط العظم والعلو، أقباء معقودة بعضها فوق بعض طبقات كثيرة، وهو مطل على البحر، وهو حصن عظيم يسميه الناس الطياطر، وهو بناء في استدارة عرض خمسين قوساً قائم في الهواء، سعة كل قوس منها تزيد عن ثلاثين شبراً، وبين كل قوس وأختها سارية سعتها أربعة أشبار ونصف، ويقوم على كل قوس من هذه الأقواس خمسة أقواس، قوس في حلق قوس، صنعة واحدة، وبناؤها من حجر الكذان، وقد صور في البحر الداير على الأقواس أنواع الصور وضروب من التماثيل العجيبة الثابتة في الصخر من صفات الناس والسباع والحيوانات والمراكب قد أتقن ذلك بأبدع صنعة، وسائر البناء الأعلى أملس لا شيء عليه، فيقال إنَ هذا البناء كان ملعباً ومجتمعاً في فصل ما من السنة.
ومن غريب [6] مباني قرطاجنة الدواميس التي عددها أربعة وعشرون في سطر واحد، طول كل داموس منها مائة وثلاثون خطوة في عرض ست وعشرين، في أعلاها أقباء، بين كل داموسين منها خوخات يصل منها الماء إلى جميعها بهندسة وحكمة، وكان الماء الواصل من عين جوقار التي بقرب القيروان إلى قرطاجنة يفرغ في هذه الدواميس على عدة قناطير لا تحصى على وزن معتدل على قسي مبنية بالصخر فما كان منها في نشز الأرض كان قصيراً وما كان في بطون الأرض وأخاديدها كان طويلاً في نهاية العلو، وهذه القناة من أغرب مباني الأرض، وانقطع الماء من هذه الدواميس لكسر القناة وخراب قرطاجنة، ومن حينئذ لم يزل الهدم فيها واستخراج الرخام الكثير منها إلى الآن، وأخبر من رأى ألواح رخام استخرجت منها طولها أربعون شبراً في عرض أربعة أشبار، والحفر في خراباتها دائم لا ينقطع وإخراج الرخام منها كذلك. قالوا: ويوجد بها من أعمدة الرخام ما يكون دوره أربعين شبراً ويحيط بقرطاجنة أوطية من سهول بها مزارع وغلات.
وبقرطاجنة [7] دار الطياطر وهو كله [8] أقباء معقودة على سواري رخام وعليها مثلها نحو أربع مرات قد أحاطت بالدار، والدار دائرة، من أغرب ما يكون من البناء، وبها أبواب كثيرة قد صوَر على كل باب منها صورة نوع من الحيوان، وقد صور في الحيطان صور جميع الصناع بأيديهم آلاتهم، وفي هذه الدار من الرخام ما لو أجمع أهل إفريقية على نقله ما قدروا عليه لكثرته، وكان فيها قصران يعرفان بالأختين ليس فيهما حجر سوى الرخام ورخام الواحد لا يشبه رخام الثاني، ويوجد فيها لوح رخام طوله ثلاثون شبراً وعرضه خمسة عشر شبراً، ويقال إنه وجد فيها غارب [9] بيت من لوح واحد والناس ينقلون من رخام هذين القصرين لحسنه على قدم الزمان، وما فرغ إلى الآن، وبهذين القصرين ماء مجلوب يأتي من ناحية الجوف لا يعرف من أين منبعه، وكان عليه نواعر وسواق تسقي بساتينهم، وكان بها قصر عظيم يطل على البحر يسمى قومش [10] وهو من أعجب ما فيها لأنه مبني على سواري رخام مفرطة الكبر والعظم، يجلس على رأس السارية منها اثنا عشر رجلاً بينهم سفرة طعام أو شراب، وهي مشطبة كالملح بياضاً والمها صفاء، يكون دور السارية منها نحو الثلاثين شبراً في علو مفرط، وعليها

[1] عاد إلى النقل عن الاستبصار.
[2] (Hannibal) و ((يقال)) على التشكيك خلاف ما أورده البكري: 42 وما بعدها، حيث قال: وكان سبب خراب قرطاجنة أن انبيل.. ثم تحدث بوقائع التاريخ الدقيق.
[3] لا يستعمل البكري هذه اللفظة، لأن روما حينئذ لم يكن فيها ملوك.
[4] هو Scipio Africanus.
[5] بتصرف قليل عن الاستبصار: 122، وقارن بالبكري: 43، والنص أقرب إلى الإدريسي:112.
[6] متابع للإدريسي.
[7] الاستبصار: 122.
[8] ويادة ضرورية للتوضيح.
[9] الاستبصار: في غريبها.
[10] ع ص: ترمش، والتصحيح عن البكري: 44 وفيه النص.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم    الجزء : 1  صفحة : 463
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست