اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 462
قرطاجنة:
هذا الاسم في ثلاثة مواضع، أحدها بالأندلس [1] عند جبل طارق، وهى مدينة للأول غير مسكونة وبها آثار كثيرة وتُعْرف بقرطاجنة الجزيرة وبمرساها نهر يريق في البحر يعرف بوادي الرمل.
والثانية قرطاجنة الخلفاء [2] بالأندلس أيضاً من كورة تدمير وهي فرضة مدينة مرسية، وهي مدينة قديمة أولية بها ميناء ترسي فيه المراكب الكبار والصغار، وهي كثيرة الخصب والرخاء المتتابع، ولها إقليم يسمى الفندون [3] وقليلاً ما يوجد مثله في طيب الأرض وعذوبة الماء، ويحكى أن السنبل يُحْصَد فيه عن مطرة واحدة، وإليه المنتهى في الجودة. ومن مدينة قرطاجنة إلى مرسية في البر أربعون ميلاً.
وبقرطاجنة هذه هزم عبد العزيز بن موسى بن نصير تدمير ابن غندرس [4] الذي سميت به تدمير هزمه وأصحابه ووضع المسلمون فيهم السيف يقتلونهم كيف شاءوا حتى نجا تدمير في شرذمة من فلال أصحابه إلى حصن أوريوله وكان مجرباً بصيراً داهية، فلما رأى قلة أصحابه أمر النساء فنشرت شعورهن وأمسكن القصب بأيديهن ووقفن على سور المدينة في من بقي من الرجال، وقصد بنفسه كهيئة الرسول واستأمن فأمّن، وانعقد له الصلح ولأهل بلده، وافتتحت تدمير صلحاً، فلما نفذ أمره عرَّفهم بنفسه وأدخلهم المدينة، فلم يروا بها إلا نفراً يسيراً من الرجال فندم المسلمون على ما كان منهم، وكان ما انعقد من صلح لتدمير مع عبد العزيز على إتاوة يؤديها وجزية عن يد يعطيها، وذلك على سبع مدائن منها: أوريوله ولقنت وألش وغيرها، وتاريخ فتحها رجب من سنة أربع وتسعين.
ومن الغرائب [5] ما حكي أن ديراً بقرطاجنة الخلفاء كان على مقربة منه قبر لامرأة شهيدة ولها قدر عندهم وعلى القبر قبة في أعلاها كوة لا يعلو تلك القبة طائر، فإن علاها اجتذبته قوة من تلك الكوة فيسقط في القبة، وقد أخبر رجل بهذه القصة وهو يتصيد بقرطاجنة فأنكر ذلك واعتمد وضع جوارح صيده على القبة فتساقطت داخلها، وكان بتلك القبة مشهد عظيم في يوم من العام يجتمع إليها الداني والقاصي من نصارى تلك النواحي وذلك في الرابع والعشرين من اغشت، فلما كانت سنة أربع عشرة وأربعمائة قصد جماعة من نصارى بلاد افرنجة في مركب حربي إلى تلك القبة فاستخرجوا منها الشهيدة واحتملوها، فلما وصلوا بها إلى جزيرة صقلية بذل لهم نصاراها مالاً عريضاً ليتركوا المرأة عندهم فيقبروها في كنائسهم، فأبوا عليهم ووصلوا بها إلى بلادهم.
والثالثة: قرطاجنة إفريقية وهي أجلّها وأشهرها، حتى قال المسعودي لما ذكر البيوت المعظمة عند أوائل الروم، قال [6] : كان بيت معظم قبل ظهور دين النصرانية ببلاد المغرب بقرطاجنة، وهي تونس وراء بلاد القيروان وهي من أرض الإفرنجة، وبني على اسم الزهرة بأنواع الرخام.
وبين قرطاجنة[7] وتونس عشرة أميال أو نحوها ومرساهما واحد وقرطاجنة من المدن المشهورة وفيها من الآثار وعجائب البنيان ما ليس في بلد شرقاً ولا غرباً ولو دخلها إنسان ومشى فيها عمره يتأمل آثارها لرأى كل يوم فيها أعجوبة لم يرها قبل ذلك.
وهي الآن خراب لأن المسلمين لما غزوها في صدر الإسلام هرب أهلها [8] من باب يقال له باب النساء، فمنهم من فرَّ إلى الأندلس، ومنهم من فرَّ إلى جزيرة صقلية، ويقال إن حسّان بن النعمان لما غزاها في سلطان عبد الملك أو غيره خربها وكسر قناتها.
وإنما الباقي [9] منها الآن قلعة تسمى المعلقة، كان يسكنها قوم من العرب يعرفون ببني زياد، لما طلع عبد المؤمن بن علي إلى إفريقية قبض على أميرهم محمد بن زياد وضرب عنقه، وكانت في وقت عمارتها من غرائب البلاد وفيها من عجائب البناء وظهور القدرة في ذلك ما لم يبلغه أحد. [1] بروفنسال: 151، والترجمة: 180. [2] بروفنسال: 151، والترجمة: 181 (Cartagena) والأصوب أن يقال فيها قرطاجنة الحلفاء - بالحاء المهملة - والفقرة الأولى عن الإدريسي (د) : 194. [3] ص ع: الهندور. [4] غندريس عند العذري: 4 الذي تحدث عن هذه الأحداث نفسها، وكذلك ابن عذري 2: 11. [5] انظر العذري: 6. [6] مروج الذهب 4: 57. [7] الاستبصار: 121. [8] إن نسبة تخريب قرطاجنة إلى الفتوحات الإسلامية فيه نظر كثير، وما بعد تخريب الرومان لها ما يجعل أي تخريب مستأنف ذا قيمة، فقد امحت حضارة قرطاجنة وطويت صفحتها سنة 146 ق. م. [9] الإدريس (د) : 112.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 462