اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 160
على جميع بساتين رملة قرطبة يعرف بجرف مواز، ومواز رجل أسود من أهل هذه القرية كان يأتي كل غداة فيقف بأعلى هذا الجرف فينادي بأعلى صوته: يا أهل الرملة، ثلاثاً، يسمعهم عن آخرهم بجهارة صوته وإشراف معانيه، فإذا تشوفوا كشف لهم عن دبره ويركع على أربع قابضاً على أصل شجرة كبيرة هناك نابتة يعتصم بها من السقوط، فلما طال ذلك عليهم من فعله دسوا من قطع عروق تلك الشجرة التي كان يتمسك بها وسوى عليها التراب كحالتها الأولى وأتى مواز بالغد فصاح بهم على عادته وصنع كمعهود صنيعه فتهور من أعلى ذلك الجرف فما وصل إلى الأرض إلا ميتاً فضرب به المثل، حتى قال بعض الشعراء:
وعدتني وعداً وقربته ... تقريب من يثني بإنجاز
حتى إذا قلت انقضت حاجتي ... رميت بي من جرف مواز جرجان[1] :
في خراسان، أول من نزلها جرجان بن أميم بن لاوذ بن سام فسميت به، وسار وبار بن اميم أخوه إلى جانب الدهناء مما يلي اليمامة فسميت به أرض وبار.
والغالب [2] على أعمال جرجان الجبال والقلاع، وربما بلغت قلاعها تسعمائة قلعة، وجرجان وطبرستان مدينتان من عمل خراسان، والري وجرجان وأعمالها مضافة [3] لطبرستان، وجرجان مدينة كبيرة جداً ليس لها نظير في نواحيها، وبناؤها بالطين وأمطارها دائمة، وهي مدينتان والنهر يشق بينهما، ونهرها كثير الماء وعليه قنطرة معقودة، وجرجان اسم المدينة الشرقية واسم الغربية بكراباذ وهي أصغر من جرجان ولها ضياع وبساتين وزروع وعمارات، وبها كثير من الكروم والتمر الكثير والتين والزيتون وقصب السكر وسائر الفواكه، وفي أهلها مروءة ظاهرة، وفيهم علماء وطلاب الأدب، ونقودهم ونقود أهل طبرستان الدنانير والدراهم، وبجرجان فرضة على البحر تسمى ابسكون [4] وهي مدينة صالحة، ويركب من ابسكون إلى بلاد الخزر وباب الأبواب والجيل والديلم.
ومن الري إلى جرجان سبع مراحل، وجرجان على نهر الديلم وافتتحها سعيد بن عثمان في خلافة سليمان بن عبد الملك وجرجان مدينة كبيرة جداً كما قلنا، وهي سهلية جبلية بحرية، الجبل منها يساير الداخل فيها، وفيها قصب السكر، وعلى النهر الذي يشق بين المدينتين جسر معقود.
ولا تخلو [5]جرجان وطبرستان مشتى ومصيفاً من الأمطار الدائمة المؤذية القاطعة عن الأشغال. وكان أهل جرجان يأخذون أنفسهم بالتأتي للأخلاق المحمودة، وكانوا أظهر مروءة ووقاراً ويساراً من أهل طبرستان، فبدد شملهم جور السلطان واحتلال العساكر، وافترقوا في البلاد وخربت المدينة إلا الأقل. ولها مياه كثيرة وضياع واسعة ولم يكن بالمشرق بعد أن تجاوز الري والعراق مدينة أجمع ولا أظهر خصباً من جرجان وأصل ابريسم طبرستان من جرجان لأن بزره يؤخذ كل سنة من جرجان ولا يخرج من بزر طبرستان.
ومدينة ابسكون المذكورة مدينة صالحة ليس بجميع هذه النواحي فرضة أجل من ابسكون.
وكان العجم من الفرس قد حصنوا جرجان بحائط من آجر لا يرام تمنعوا به من الأتراك، وهو حائط طويل أحد طرفيه داخل في البحر أربعة فراسخ والطرف الآخر حيال جبال خراسان، وعلى كل فرسخ حصن، فكانت الترك تأتيهم من ناحية خوارزم فلا يصلون إليهم، ثم إن الترك تحيلوا حتى ظهروا عليهم وتغلبوا عليها، وسمة الملك منهم صول، وأذاقوا أهل خراسان شراً، وتملكوا معها دهستان والبحيرة وهي جزيرة، بينهما ثلاثون فرسخاً، ورامها سابور ذو الأكتاف وخسر بن قباذ وخسر بن هرمز فأعيتهم حتى جاء الإسلام [6] ، فغزاها سويد بن مقرن سنة ثمان عشرة من الهجرة، وصاحبها رزبان صول، فكاتبه رزبان صول فانصرف عنه، ثم غزاها سعيد بن العاصي في خلافة عثمان سنة ثلاثين فصالحوه على مائتي ألف فلم يأتها بعد سعيد أحد، ومنعوا طريق [1] معجم ما استعجم 2: 375. [2] من هنا عن نزهة المشتاق: 208. [3] نزهة المشتاق: مصاقبة. [4] نزهة المشتاق: السكون، ص ع: أةو بسكون (في موضعين فقط) . [5] من هنا متفق مع الكرخي: 125، وابن حوقل: 324 مع اختلافات يسيرة. [6] انظر في فتح جرجان تاريخ الطبري 1: 2657، 2836، 2: 1317 - 1335.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 160