اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 161
خراسان فلم يسلكه أحد من ناحية قومس إلا على خوف، إنما كان الطريق على فارس إلى كرمان إلى خراسان فأول من صير الطريق من قومس إلى خراسان قتيبة بن مسلم وكان يكتب إلى الحجاج يستأذنه في غزو جرجان فيأبى عليه، ويكتب إليه: الأنوق والعيوق، إياي والورطات، لنا السهل ولهم الجبل، فلما ولي يزيد بن المهلب خراسان أيام سليمان كانت جرجان من همه، فلما انتهى إلى قومس وجد ريحاً منتنة، فقال: ما هذه الريح؟ قيل له: أغار صول التركي على هذه الناحية فقتل هؤلاء فهذه ريح القتلى، فقالا: قبح الله قتيبة، ترك هؤلاء في قبضة المسلمين وهو يغزو المسلمين، فقال له رجل من بني تميم: قد أرادها قتيبة ولكن الحجاج منعه منها فامض إلى خراسان حتى يتمكن أمرك ثم ناهضها.
وخرج عن جرجان بعض المرازبة مغاضباً لصول فأتى يزيد فقرب عليه أمر جرجان، فأقبل يزيد في جند الشام وخراسان ودهاقينها في عشرين ومائة ألف يؤم جرجان، فتحول عنها صول إلى البحيرة، فاجتمع الترك في مدخل جرجان، فلقوا يزيد فقاتلهم فهزمهم فبلغت هزيمتهم دهستان، ووضع يزيد بجرجان وضائع من جنده وأتى البحيرة فحصر صولاً فقاتلوه مراراً، وأكثر يزيد فيهم القتل يوماً فدخلوا حصنهم فلم يخرجوا بعد ذلك، وحصر أهل البحيرة ستة أشهر فنزلوا على حكمه على أن يؤمن صولاً وأهله وثلثمائة ممن أحب، ويقال خمسمائة، ولا يعرض لماله وتدفع إليه البحيرة بما فيها ففتحها وسبى أهلها ثم توجه إلى طبرستان فجرت بينه وبين الأصبهبذ صاحبها خطوب كثيرة آل الأمر في ذلك إلى أن صالحه على ألفي ألف وعلى أربعمائة وقر من زعفران وثلثمائة أمير من العرب كانوا هناك وعلى أن يدفع إليه خمسمائة من الأتراك كانوا غدروا بالمسلمين، وكان الذي توسط في الأمر بينهما حيان النبطي، فحمل الأصبهبذ إليه صلحه، وبعث بالأتراك فقتلهم.
وخلا لهم الطريق إلى جرجان فمشى يزيد إلى جرجان وأعطى الله عهداً [1] إن ظهر عليهم أن لا يرفع السيف حتى يطحن بدمائهم ويختبز ذلك الطحن فيأكله، فلما بلغ المرزبان بجرجان مسيره تحصن منه في قلعتها وليست تحتاج إلى عدة من طعام ولا شراب وحولها غياض ملتفة وليس يعرف لها إلا طريق واحد، فنزل بها يزيد فأقام سبعة أشهر لا يقدر منهم على شيء ولا يعرف لها مأتى، فبينا هم كذلك إذ خرج الهياج بن عبد الرحمن الأزدي من أهل طوس، وكان مولعاً بالصيد، فرأى ظبية أو وعلاً متوقلاً في الجبل فاتبعها يقفوها في مثل شراك النعل حتى اطلع على قلعتهم من طريق خفي، فلما عاين ذلك انصرف راجعاً وخاف أن يشتبه عليه الطريق فجعل يخرق ما عليه من الثياب ويضعه على الشجر يتخذ ذلك علماً حتى انتهى إلى العسكر فأعلم يزيد فأمر له بجائزة وبعث معه بأربعة آلاف، فقال إن الطريق لا تحمل هذه الجماعة فاتخذ ثمانمائة [2] وقال: لا بد من سلم من جلود فاتخذها وقال له يزيد: متى تصل إليهم؟ قال: غداً عند صلاة العصر، فنهض فلما انتصف النهار من الغد أمر يزيد أن يشعل النار في حطب كان جمعه في حصاره لهم فصار آكاماً فأضرموه فصار حول العسكر أمثال الجبال من النيران، فهال ذلك العدو فخرجوا، وأمر يزيد الناس فجمعوا بين الظهر والعصر، وزحفوا إلى المشركين يقاتلونهم والمشركون آمنون من الوجه الآخر فلم يرعهم بعد العصر إلا التكبير من ورائهم فعطفوا عليهم، وركب المسلمون أكتافهم فأعطوا بأيديهم وفتحوا القلعة ونزلوا على حكم يزيد فقتل المقاتلة وسبى الذرية وقاد منهم اثني عشر ألفاً إلى وادي جرجان وقال: من يطلبهم بثأر فليقتل، وكان الرجل يقتل الأربعة والخمسة في النهر، وجرى الماء بدمائهم فطحن له عليه واختبز من ذلك الطحن وأكل ليبر قسمه وصلبهم نحو فرسخين وبنى مدينة جرجان وقصبتها وكتب يزيد إلى سليمان: إن الله تعالى قد فتح لأمير المؤمنين جرجان ودهستان وطبرستان والبحيرة وقد أعيا ذلك سابور ذا الأكتاف وكسرى بن هرمز وكسرى بن قباذ وأعيا ذلك الفاروق عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما ومن بعدهما من خلفاء الله تعالى، وفتح الله ذلك لأمير المؤمنين كرامة من الله له وزيادة من نعمه عليه، وقد صار في يدي ما أفاء الله على المسلمين بعد أن صار إلى كل ذي حق حقه من الفيء والغنيمة عشرون ألف ألف فقال له كاتبه المغيرة بن أبي قرة مولى بني سدوس: لا تفعل أيها الأمير، إن هذا يبقى عليك مخلداً بكتابك في دواوينهم فإن ولي بعده وال فتحامل عليك لم يرض منك إلا بأضعافه وإن عدل عليك أخذ بما في كتابك، فاكتب إلى أمير المؤمنين بالفتح وألغ ذكر المال، فإذا [1] كان أهل جرجان قد نقضوا العهد وغدروا بالجند الذي خلفه يزيد فيها. [2] الطبري: ثلاثمائة.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 161