اسم الکتاب : معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار المؤلف : الذهبي، شمس الدين الجزء : 1 صفحة : 110
ولا يوصف المقروء ولا الملفوظ من كتاب الله تعالى إلا بما وصفه الله تعالى به ورسوله -صلى الله عليه وسلم، من العظمة والهدى والإعجاز، والحق فهو في نفسه شيء واحد من حيث النعوت الكاملة، سواء قرأه خير الناس أو شر الناس.
لكن الصوت الحسن واللفظ العذب يزيده حلاوة وطلاوة وبراعة، في الأسماع والقلوب، لا سيما إذا سمع كذلك من قارئ مجود، صاحب قلب منيب وخوف شديد[1]. [1] اعلم أنه الله تعالى متكلم له كلام عند أهل السنة والجماعة وإن كلامه قديم ليس بمخلوق، ولا مجعول ولا محدث, بل كلامه قديم صفة من صفات ذاته كعلمه وقدرته وإرادته ونحو ذلك من صفات الذات، ولا تجوز أنه يقال: كلام الله عبارة ولا حكاية، ولا يوصف بشيء من صفات الخلق ولا يجوز أنه يقول أحد لفظي بالقرآن مخلوق، ولا غير مخلوق ولا أني أتكلم بكلام الله.
فأما الدليل على كون كلام الله قديما غير مخلوق: فقوله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} فصل بين الخلق والأمر فدل على أن الأمر غير مخلوف؛ لأن كلامه أمر نهي وخبر.
وقوله تعالى {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} وقوله: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ولو أن كلامه مخلوق لاحتاج في خلقه إلى قول يقول به "كن" واحتاج القول إلى قول ثالث والثالث إلى رابع إلى ما لا نهاية له, وهذا محال بحال فثبت أنه القول الذي تكون به الأشياء المخلوقة غير مخلوق وهو كلامه القديم. ويدل عليه من السنة: قوله -صلى الله عليه وسلم: "فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه" فلما كان فضل الله على خلقه بقدمه ودوامه؛ لأنه غير مخلوق وهم مخلوق فكذلك القول في كلامه, فوجب أنه يكون غير مخلوق وكلامهم مخلوق. ويدل عليه أيضا أن أبا الدرداء لما سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن القرآن فقال: "كلام الله غير مخلوق". ويدل عليه أيضا إجماع الصحابة وهو أن الخليفة عليا عليه السلام, لما أنكر عليه التحكيم وكفر الخوارج فقال بحضرة الصحابة: والله ما حكمت مخلوقا ولكن حكمت القرآن، ولم ينكر ذلك منكر.
فدل على أنه إجماع، ولأنه لو كان مخلوقا لم يخل أنه يكون خلقه في نفسه أو في غير شيء، ولا يحوز أن يكون مخلوقا في نفسه لأنه ذاته لا تقوم بها المخلوقات. والحوادث يتعالى عن ذلك علوا كبيرا.
ولا يجوز أن يكون خلقه من غيره؛ لأنه لو كان خلقه في غيره أو في غير شيء لكان ذلك الغير إلها آمرا ناهيا قائلا: {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .
وهذا محال باطل، ولا يجوز أنه يكون خلقه في غير شيء لأنه يؤدي إلى وجود كلام من غير متكلم وهذا محال.
فإذا ثبت بطلان هذه الثلاثة أقسام لم يبق إلا أنه غير مخلوق بل هو صفة من صفات ذاته قديم بقدمه موجود بوجوده موصوف به فلما يذل وفيما لا يزال ولا يجوز أنه يباينه ولا يزايله ولا تحل في مخلوق ولا ينصف بالحلول رأسا.
ويجب أن يعلم أن القراءة غير المقدور والتلاوة غير المتلو والكتابة غير المكتوب، والدليل عليه. ويجب أن يعلم أن القراءة غير المقروء والتلاوة غير المتلو، والكتابة غير المكتوب. فأما الدليل من الكتاب فكثير جدا منه: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} فأخبر تعالى أن القرآن منه منزل موصى, وأن الرسول يقرؤه ويعلمه فالموصى المنزل المقروء هو كلام الله تعالى القديم وصفة ذاته، والقراءة له فعل الرسول التي هي صفته.
وأيضا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} ففعل الرسول البلاغ الذي هو القراءة=
اسم الکتاب : معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار المؤلف : الذهبي، شمس الدين الجزء : 1 صفحة : 110