ودهره مسعد لا ينغص أحداً راحه، ولا تطرق له بالغير ساحة، حتى نبه نائم صرفه، وانحنى بنكره على عرفه، فارتدت على أعقابها مقاصده، ونكب عنه وافده وقاصده، وكانت مربيطر مطلع شمسه، وموضع انسه، فأخذها ابن رزين من قبضته، وأقعده بعد نهضته، وخدعه بالمحال، واقطعه أنكد حال، فبقي وغدا جوه من تلك الخطة صاحيا، وله نظم نظم من المحاسن جملاً، وأعاد سامعه ثملا، وقد أنبت منه ما يدل على نفاسة سبكة، وجودة حبكة، فمن ذلك ما قاله متوجعا بخليط ضعن، وأوغل في شعاب البعد وأمعن. وافر
سقى أرضاً ثووها كل مزن ... وسايرهم سرور وارتياح
فما الوى بهم ملل ولكن ... صروف الدهر والقدر المتاح
سأبكي بعدهم حزناً عليهم ... بدمع في أعنته جماع
وأخبرني الوزير أبو عامر ابن الطويل أنه كان بقصر مربيطر بالمجلس المشرف منها والبطحاء قد لبست زخرفها، ودبح الغمام ومطرفها، وفيها حدائق ترنو عن مقل نرجسها، وتبث طيب تنفسها، والجلنار لبس أردية الدماء، وارع أفئدة الندماء، فقال: كامل
قم يا نديم أدر علي القرقفا ... أو ما ترى زهر الرياض مفوفا
فنحال محبوباً مدلاً وردها ... وتظن نرجسها محبا مدنفا
والجلنار دماء قتلى معرك ... والياسمين حباب ماء قد طفا
وله أيضاً يعاتب بعض إخوانه: طويل
لحى الله قلبي كمن يحن إليكم ... وفقد بعتم حظي وضاع لديكم
أما نحن أنصفناكم من نفوسنا ... ولم تنصفونا فالسلام عليكم
وله وقد كتب إليه الكاتب أبو الحسن راشد بن سليمان بالتمويل، وقد كان عهد إليه ألا يخاطبه إلا بالتسويل: كامل
نقلت روحك أيما تثقيل ... فيما قصدت له من التمويل
هذا على أني عهدتك خفة ... كرسول بر حل عند عليل
فراجعه الكاتب أبو الحسن المذكور: كامل
لا والذي ولاك ألوية الندى ... وحباك من خطط العلى بجزيل