أبا حسن مثلي يمثلك عالم ... ومثلك بعد الغزو ليس يتوبّ
فخذها على محض الصفاء كأنها ... سنا ما لها بعد الحساب توبُ
الوزير المشرف أبو محمد بن ملك
ورد نهر المجرة علاء، وقلد فخره الزمان ولاء، مع همم أنافت على الكواكب، وكرم صاب كالغمام الساكب، ووقار، ولا تحيل الحركة سكونه، ومقدار، يتمنى مخيران يكونه، وشيم كصفو الراح، أو الماء القراح، لو كانت في الروض ما ذوى، أو ظهرت للخلق ما رقد أحد بعد ما شوى، ولم يزل بما اعتقل من الأصالة والنهى، ينقل من سماك إلى سهى، حتى أقطعه أمير المسلمين خلد الله ملكه ما له بالأندلس من حصه، وأقعده على تلك المنصة، وبواة المراتب اللائقة به المختصة، وله أدب زاخر اللجة، باهر الحجة، لائح البهجة، واضح المحجة، يروق لمجتليه، وبرق زهره لمتنيه، وقد اثبت من فأئق كرمه، ورأثق نثره ونظامه، ما تديره الأوهام راحا وتتعطاه، وتوسد النباهة خدها أبردي أرطاه، فمن ذلك قوله في مجلس أطرابه سماعه، وبسطه أحتشاد الأنس فيه واجتماعه. خفيف
لا تلمني بان طربت لشدو ... يبعث الأنس فالكريم طروبُ
ليس شق الجيوب حقاً ... إنما الحقّ أن تشقّ القلوبُ
ولما كثر اختلال الشرق وفساده، وظهر استفحال العدو فيه واستياده، صرف أمير المسلمين إليه وجه اهتمامه، وجد في صرف الشوائب عن جمامه، وجعل رايه فيه سميرة، وانعل نظره له جده وتشميره، ووجه أموالاً لرم خلله، وحسم علله، وأقامة ميله، وانتعاش رجله وخيله، ثم خاف أن ينتهيها العمال، وتتعذر تلك الآمال، فقلده طوقها، وحمله أوقها، ووجهه لبناء الأقطار، ونبهه لقضاء تلك الأوطار، فاستقل بها أحسن استقلال، ونظم مصالحها، نظم اللئال، فاجتزت عليه بطرطوشة فالفتيه مباشرا للأمور بنفسه، هاجرا لها مواصلة أنسه، فأقمت معه أياماً، أوردت منهل بدائعه جوانح كانت عليه حياما، وانشدني كل مستحسن، واسمعني كل مستطاب استطابة العين للوسن، فمن ذلك قوله: بسيط
سالت بميّ صروف الدهر والنوبُ ... وبان حظك منها وانقضى السببُ
فماء حزنك في الخدّين منسجم ... ونار وجدك في الاحتشاء تلتهبُ
تعجّب الناس من حاليك واعتبروا ... وكلّ أمرك فيه عبرة عجبُ