منتمى الأعيان، ومنتهى البيان، المطاول لسحبان، والمعارض لصعصعة بن صوحان، الذي اطلع الكلام زاهرا، ونزع فيه منزعاً باهرا، نخبة العلاء، وبقية أهل الإملاء، الشامخ الرتبة، العالي الهضبة، فاق الأفراد والأفذاذ، ومشى في طرق الإبداع الوخد والأغذاذ، وراقت رقة ما يحويه العراق وبغذاذ، له الأدب الرائق البهيج، والمذهب العاطر الأريج، فاز بمقاد، الانتقاد، وأمسك عن عنان، الافتنان، وقد أثبت له من البدائع الروائع، ما هو أصفى من الوقائع، وأبهى من الشمس في المطالع، حللت يابرة فأنزلني وإليها بقصرها، ومكنني من جنى الأماني وهصرها، فأقمت ليلي، أجرّ على المجرّة ذيلي، وتتطارد في ميدان السرور خيلي، فلمّا كان من الغد باكرني الوزير أبو محمد مسلمّا، ومن تنكّبي عنه متألما، ثم عطف على القائد عاتباً عليه، في كوني لديه، ثم انصرف وقد أخذني من يديه، فحللت عنده في رحب، وهمت عليّ من البرّ أمطار سحب، في مجلس كانّ الدراري فيه مصفوفة، أو كانّ الشمس إليه مزفوفة، فلما، حان انصرافي، وكثر تطلّعي إلى قيامي واستشرافي، ركب معي إلى حديقة نضرة، مجاورة للحضرة، فانحنا عليها أيدي عيسنا، ونلنا منها ما شئنا من تأنيسنا، فلما امتطيت عزمي، وسددت، إلى غرض الرحلة سهمي، أنشدني: طويل
سلام يناجي منه زهر الربى عرفُ ... فلا سمع إلا ودّ لو أنه أنفُ
حنيني إلى تلك السجايا فإنّها ... لآثار أعيان المساعي التي أقفُ
دليلي إذا ما ضلّ في المجد كوكبي ... وإن لم يعقه لا غروب ولا كسفُ
نأى لا نأي عهد التواصل بيننا ... فمجد به رسم التواصل لا يعفُ
واطلعه يستام العقول كأنما ... يلاحظنا من كلّ حرف له طرفُ
تقابلنا منه السطور بواسما ... أثغر تفري عن لمى الخبرام حرفُ
معانٍ وألفاظ كما رقّ زاهر ... من الروض أو دارت معتّقة صرفُ
تحلّ حبا الأحلام هزّاً كأنما ... لسامعها في كل جارحةٍ عطفُ
يودّ بجدع الأنف شانيك أنها ... لناظره كحل وفي أذنه شنفُ
فأنت الذي لولاه ما فاه لي فم ... ولا هجست نفسٌ ولا كتبت كفُّ
نصيري أبا نصر على الدهر لا النوى ... فمنك لنا نصر وأنت لنا كهفُ