responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عثمان بن عفان ذو النورين المؤلف : محمد رضا    الجزء : 1  صفحة : 50
- عزل سعد بن أبى وقاص عن الكوفة وتولية الوليد بن عقبة [1] :
لم تطل ولاية سعد على الكوفة فعزله عثمان وولى بعده الوليد بن عقبة والسبب في عزل سعد هو أنه استقرض من عبد اللَّه بن مسعود [2] من بيت المال مالاً فأقرضه، فلما تقاضاه لم يتيسر -[51]- عليه فارتفع بينهما الكلام حتى استعان عبد اللَّه بأناس على استخراج المال، واستعان سعد بأناس على استنظاره فاقتربوا وبعضهم يلوم بعضاً. يلوم هؤلاء سعداً ويلوم هؤلاء عبد اللَّه.
عن قيس بن أبي حازم قال: كنت جالساً عند سعد وعنده ابن أخيه هاشم بن عتبة [3] فأتى ابن مسعود سعداً فقال له: أدِّ المال الذي قِبَلك. فقال له سعد: ما أراك إلا ستلقى شرَّاً. هل أنت إلا ابن مسعود عبد من هذيل؟! فقال: أجل واللَّه إني لابن مسعود وإنك لابن حمينة. فقال هاشم: إنكما لصاحبا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينظر إليكما. فطرح سعد عوداً كان في يده وكان رجلاً فيه حدة ورفع يديه. وقال: اللَّهم رب السماوات والأرض. فقال عبد اللَّه: ويلك قل خيراً ولا تلعن. فقال سعد عند ذلك: أما واللَّه لولا اتقاء اللَّه لدعوت عليك دعوة لا تخطئك. فولى عبد اللَّه سريعاً حتى خرج، وكان سعد بن أبي وقاص مجاب الدعوة.
غضب عثمان رضي اللَّه عنه على سعد وعلى ابن مسعود بسبب هذه المشادة فعزل سعداً ولم يعزل ابن مسعود، بل أقره واستعمل الوليد بن عقبة، وكان عاملاً لعمر على ربيعة بالجزيرة، فقدم الكوفة، فلم يتخذ لداره باباً حتى خرج من الكوفة.
ولعل القارئ يعجب لماذا أقر عثمان ابن مسعود ولم يعزله؟ فنقول إن عبد اللَّه بن -[52]- مسعود لما كان غلاماً كان يرعى أغنام عقبة بن أبي معيط [4] ، وكان إسلامه قديماً، وهو أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فهو راعٍ لعقبة بن أبي معيط - والد الوليد - أي أنه من أتباع بني أمية، وكان عمر رضي اللَّه عنه بعثه إلى الكوفة معلماً ووزيراً، ثم إن ابن مسعود لم يكن والياً حتى يعزله عثمان رضي اللَّه عنه، بل كان وزيراً للمالية.
أما الوليد الذي خلف سعداً فهو أموي، أخو عثمان لأمه، أسلم يوم الفتح، ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن أن قوله عز وجل: {إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: [6]] نزلت في الوليد بن عقبة وذلك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعثه مصدقاً إلى بني المصطلق فعاد وأخبر عنهم أنهم ارتدوا ومنعوا الصدقة، وذلك أنهم خرجوا إليه يتلقونه فهابهم، فانصرف عنهم، فبعث إليهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خالد بن الوليد [5] فأخبروه أنهم متمسكون بالإسلام ونزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذيِنَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: [6]]-[53]-.
لما قدم الوليد على سعد قال له: واللَّه ما أدري أَكِسْتَ [6] بعدنا أم حمقنا بعدك؟! فقال: "لا تجز عن أبي إسحاق فإنما هو الملك يتغداه قوم ويتعشاه آخرون". فقال سعد: "أراكم واللَّه ستجعلونه مُلكاً". وكان الوليد من رجال قريش ظرفاً وحلماً وشجاعة وأدباً، وكان من الشعراء المطبوعين.
قال الطبري [7] : فقدم الوليد في السنة الثانية من إمارة عثمان، وقد كان سعد عمل عليها سنة وبعض أخرى فقدم الكوفة، وكان أحب الناس في الناس وأرفقهم بهم، فكان كذلك خمس سنين وليس على داره باب.
وحدثنا أبو فرج الأصفهاني في الجزء الخامس من الأغاني عن سبب تولية الوليد الكوفة فقال:
لم يكن يجلس مع عثمان رضي اللَّه عنه على سريره إلا العباس ابن عبد المطلب وأبو سفيان بن حرب والحكم بن العاص والوليد بن عقبة، فأقبل الوليد يوماً فجلس، ثم أقبل الحكم. فلما رآه عثمان زحل [8] له عن مجلسه فلما قام الحكم قال له الوليد: واللَّه يا أمير المؤمنين، لقد تلجلج في صدري بيتان قلتهما حين رأيتك آثرت عمك على ابن أمك. فقال له عثمان رضي اللَّه تعالى عنه: إنه شيخ قريش، فما البيتان اللذان قلتهما؟ قال: قلت:
رأيت لعم المرء زُلْفَى قرابة ... دون أخيه حادثاً لم يكن قدماً
فأمَّلْتُ عَمْراً أن يَشِبّ وخالداً ... لكي يدعواني يوم مزحمة عمّا
يعني عمراً وخالداً ابني عثمان. فرق له عثمان وقال له: قد وليتك العراق - يعني الكوفة - اهـ. ولا يصدق إنسان يعرف مكانة عثمان رضي اللَّه عنه أنه ولى الوليد الكوفة بعد أن أنشده هذين البيتين إرضاء له.

[1] الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 590، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 476.
[2] هو عبد اللَّه بن مسعود بن غافل بن حبيب شمخ بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس، الهُذَلي، أبو عبد الرحمن، صحابي، من أكابرهم فضلاً وعقلاً وقرباً من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو من أهل مكة، ومن السابقين إلى الإسلام، وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة، كان خادم رسول اللَّه الأمين، وصاحب سرّه ورفيقه في حلِّه وترحاله وغزواته، يدخل عليه كل وقت ويمشي معه. نظر إليه عمر يوماً وقال: وعاء مليء علماً، ولي بعد وفاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم بيت مال الكوفة، ثم قدم المدينة في خلافة عثمان، فتوفي فيها نحو ستين عاماً، كان قصيراً جداً، يكاد الجلوس يوارونه، كان يحب الإكثار من التطيّب، فإذا خرج من بيته عرف جيران الطريق أنه مرَّ، من طيب رائحته. للاستزادة راجع: الإصابة ج 4/ص 129، الاستيعاب ج 1/ص 359، أُسد الغابة ج 3/ص 256، تذكرة الحفاظ ج 1/ص 12، البداية والنهاية ج 7/ص 162، شذرات الذهب ج 1/ص 38، تاريخ الإسلام للذهبي ج 2/ص 100، سير أعلام النبلاء ج 1/ص 331، صفة الصفوة ج 1/ص 154، غاية النهاية ج 1/ص 458، البدء والتاريخ ج 5/ص 97، حلية الأولياء ج 1/ص 124، تاريخ الخميس ج 2/ص 257، البيان والتبيين ج 2/ص 56، المحبّر ص 161، تهذيب الكمال ج 2/ص 740، تهذيب التهذيب ج 6/ص 27، تقريب التهذيب ج 1/ص 450.
[3] هو هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، صحابي، خطيب من الفرسان، يلقب بالمِرْقال، وهو ابن أخي سعد بن أبي وقاص، أسلم يوم فتح مكة، ونزل الشام بعد فتحها، أرسله عمر مع ستة عشر رجلاً من جند الشام مدداً لسعد بن أبي وقاص في العراق، شهد القادسية، أصيبت عينه يوم اليرموك فقيل له الأعور، وفتح جلولاء، وكان مع علي بن أبي طالب في حروبه، تولى قيادة الرَّجَّالة في صفّين، قتل في آخر أيامها سنة 37 هـ. للاستزادة راجع: ذيل المذيل، الأخبار الطوال، رغبة الآمل ج 3/ص 115، معجم ما استعجم، نسب قريش، وقعة صفّين، مرآة الجنان ج 1/ص 10.
[4] هو عقبة بن أبان بن ذكوان بن أمية بن عبد شمس، من مقدمي قريش في الجاهلية، كنيته أبو الوليد، كان شديد الأذى للمسلمين عند ظهور الدعوة، فأسروه يوم بدر وقتلوه، ثم صلبوه، وهو أول مصلوب في الإسلام، قتل سنة 2 هـ. للاستزادة راجع: الروض الآنف ج 2/ص 76، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 27.
[5] هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، المخزومي، القرشي، سيف اللَّه الفاتح الكبير، الصحابي، كان من أشراف قريش في الجاهلية، يلي أعنة الخيل، شهد مع مشركيهم حروب الإسلام إلى عمرة الحديبية، أسلم قبل فتح مكة هو وعمرو بن العاص سنة 7 هـ، فسرَّ به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وولاه الخيل، ولمَّا ولي أبو بكر وجَّهه لقتال مسيلمة ومن ارتد من أعراب نجد، ثم سيَّره إلى العراق سنة 12 هـ، ففتح الحيرة وجانباً عظيماً منه، وحوَّله إلى الشام وجعله أمير من فيها من الأمراء. ولمَّا ولي عمر عزله عن قيادة الجيوش بالشام وولى أبا عبيدة بن الجرَّاح، فلم يثن ذلك من عزمه، واستمر يقاتل بين يدي أبي عبيدة إلى أن تمَّ لهما الفتح سنة 14 هـ، فرحل إلى المدينة، فدعاه عمر ليوليه، ومات في حمص في سوريا، وقيل: بالمدينة سنة 21 هـ. كان مظفراً خطيباً فصيحاً، يشبه عمر بن الخطاب في خَلْقه وصفته، قال أبو بكر: عجزت النساء أن يلدن مثل خالد. روى له المحدثون ثمانية عشر حديثاً، وأخباره كثيرة. للاستزادة راجع: الإصابة ج 1/ص 413، الاستيعاب ج 2/ص 427، تهذيب الكمال ج 1/ص 366، تقريب التهذيب ج 1/ص 219، خلاصة تهذيب الكمال ج 1/ص 285، الكاشف ج 1/ص 275، تاريخ البخاري الكبير ج 3/ص 136، الجرح والتعديل ج 3/ص 1607، لسان الميزان ج 2/ص 389، أُسد الغابة ج 2/ص 109، تجريد أسماء الصحابة ج 1/ص 124، طبقات ابن سعد ج 7/ص 479، سير الأعلام ج 1/ص 366، البداية والنهاية ج 7/ص 113، شذرات الذهب ج 1/ص 15، الثقات ج 3/ص 101، صفة الصفوة ج 1/ص 268، تاريخ الخميس ج 2/ص 247، ذيل المذيّل ص 43.
[6] أَكِسْتَ: يقال رجل أَوْكَس أي خسيس أو قليل الحظ. [القاموس المحيط، مادة: وَكَسَ] .
[7] الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 595.
[8] زَحَل: أيّ تَنحَّى.
اسم الکتاب : عثمان بن عفان ذو النورين المؤلف : محمد رضا    الجزء : 1  صفحة : 50
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست