اسم الکتاب : سير أعلام النبلاء ط الحديث المؤلف : الذهبي، شمس الدين الجزء : 1 صفحة : 220
إسلام أبي ذر، رضي الله عنه:
وقال سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارَ، وَكَانُوا يُحِلُّوْنَ الشَّهْرَ الحَرَامَ، فَخَرَجْتُ أنا وأخي أنيس وأمنا، فانطلقنا حتى نزلنا على خال لنا ذي مال وهيئة فأكرمنا, فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أهلك خالف إليهم أنيس. فجاء خالنا فنثا[1] علينا ما قيل له. فقلت له: أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوْفِكَ، فَقَدْ كَدَّرْتَهُ ولا جماع لك فيما بعد، فقربنا صرمتنا[2] فاحتملنا عليها، وتغطى خالنا ثوبه، فجعل يبكي، فانطلقنا فنزلنا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ، فَنَافَرَ[3] أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مثلها، فأتينا الكاهن فخير[4] أنيسا، فأتانا بصرمتنا ومثلها معها. قال: وقد صليت يابن أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاَثٍ سنين، فقلت: لمن؟ قال لله. قلت: فأين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني اللهُ أُصَلِّي عِشَاءً, حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخر الليل ألقيت كأني خفاء -يعني الثوب- حتى تعلوني الشمس. فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ فَاكْفِنِي حتى آتيك. فأتى مكة فراث -أي أبطأ- عليَّ، ثم أتاني فقلت ما حبسك؟ قال: لقيت رجلا بمكة يزعم أن الله أرسله على دينك. قلت: ما يقول الناس؟ قال: يقولون: إنه شاعر، وساحر، وكاهن، وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ. فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولو وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْوَالِ الشُّعَرَاءِ, فَمَا يَلْتَئِمُ على لسان أحد بعدي أنه شعر، ووالله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون قال: قلت له: هل أنت كافيني حتى أنطلق فأنظر؟ قال: نعم، وكن من أهل مكة على حذر، فإنهم قد شنفوا له وتجهموا. فأتيت مكة، فتضعفت رجلا، فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصابئ؟ قال: فأشار إلى الصَّابِئُ. قَالَ: فَمَالَ عليَّ أَهْلُ الوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ، حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيّاً عليَّ، فَارْتَفَعْتُ حِيْنَ ارْتَفَعْتُ، كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ، فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فشربت من مائها، وغسلت عني الدم، فدخلت بين الكعبة وأستارها، ولقد لبثت يابن أخي ثلاثين من بين ليلة ويوم، وما لِي طَعَامٌ إِلاَّ مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تكسرت عكن بطني[5]، وما [1] نثا: أي أشاع وأذاع وأفشى. [2] صرمتنا: قطعة من الإبل. وتطلق أيضا على القطعة من الغنم. [3] نافر: أي فاخر. والمنافرة: المفاخرة والمحاكمة. [4] خير: قال ابن الأثير: فضل وغلب. [5] عكن بطني: الأطواء في البطن من السمن. وواحدة العكن عكنة، وتعكن البطن: صار ذا عكن.
اسم الکتاب : سير أعلام النبلاء ط الحديث المؤلف : الذهبي، شمس الدين الجزء : 1 صفحة : 220