responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : سير أعلام النبلاء ط الحديث المؤلف : الذهبي، شمس الدين    الجزء : 1  صفحة : 221
وجدت على كبدي سخفة جوع[1]. فبينما أهل مكة، في قمراء إضحيان، قد ضرب الله على أصمخة أهل مكة فما يطوف بالبيت أحد غير امرأتين، فأتتا عليَّ، وهما تدعوان إِسَافاً وَنَائِلَةَ، فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا، فَقُلْتُ: أنكحا أحدهما الأخرى. قال: فما تناهتا عن قولهما -وفي لفظ: فما ثناهما ذلك عما قالتا- فَأَتَتَا عَلَيَّ فَقُلْتُ: هَنٌ مِثْلُ الخَشَبَةِ، غَيْرَ أني لا أكنى. فانطلقتا تولولان، وتقولان: لو كان ههنا أحد من أنفارنا. فاستقبلهما رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر، وهما هابطان من الجبل، فقالا لهما: مَا لَكُمَا؟ قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا. قالا: ما قال لكما؟ قالتا: قال لنا كلمة تملأ الفم. فَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحبه، فاستلم الحجر، ثم طافا، فلما قضى صلاته أتيته، فكنت أول من حياه بتحية الإسلام. فقال: "وعليك ورحمة الله". ثم قال: "ممن أنت؟ " قلت: من غفار، فأهوى بيده فوضعها على جبينه فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِّي انْتَمَيْتُ إِلَى غفار، فأهويت لآخذ بيده، فقدعني صاحبه، وكان أعلم به مني, ثم رفع رأسه، فقال: "متى كنت ههنا؟ " قلت: قد كنت ههنا منذ ثلاثين بين ليلة ويوما. قَالَ: "فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟ " قُلْتُ: مَا كَانَ لي طعام إلا ماء زمزم. فقال: "إنها مباركة، إنها طعام طعم، وشفاء سقم". فقال أبو بكر: ائذن لي يا رسول الله في طعامه الليلة. ففعل، فانطلقا، وانطلقت معهما، حتى فتح أَبُو بَكْرٍ بَاباً، فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زبيب الطائف، فكان ذلك أول طعام أكلته بها. قال: فغبرت ما غبرت ثم أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إني قد وجهت إلى أرض ذات نخل لا أحسبها إِلاَّ يَثْرِبَ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيْهِم؟ ". فانطلقت حتى أتيت أخي أنيسا فقال لي: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. ثم أتينا أمنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما. فأسلمت، ثم احتملا حتى أتينا قومنا غفار، فأسلم نصفهم قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِيْنَةَ، وكان يؤمهم خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري، وكان سيدهم يومئذ، وقال بقيتهم: إذا قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسلمنا، فقدم المدينة فأسلم بقيتهم. وَجَاءتْ أَسْلَمُ فَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِخْوَانُنَا، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ، فَأَسْلَمُوا فَقَالَ: "غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ". أخرجه مسلم[2] عن هدبة، عن سليمان.
وفي الصحيحين من حديث مثنى بن سعيد، عن أبي جمرة الضبعي، أن ابن عباس

[1] سخفة جوع: يعني رقته وهزاله. والسخف بالفتح: رقة العيش, وبالضم: رقة العقل، وقيل هي الخفة التي تعتري الإنسان إذا جاع من السخف وهي الخفة في العقل وغيره.
[2] صحيح: أخرجه مسلم "2473" في آخر حديث طويل.
اسم الکتاب : سير أعلام النبلاء ط الحديث المؤلف : الذهبي، شمس الدين    الجزء : 1  صفحة : 221
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست