responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر المؤلف : عبد الرزاق البيطار    الجزء : 1  صفحة : 889
إلا له ولا يصلح إلا لها، لما كان محتوياً عليه من علو الهمة واستقامة الأطوار، وقوة الملكة وتحمل المكاره وحسن الاصطبار، والشجاعة والعلم والسماحة والحلم، والقوة والعزم والإزماع والحزم، والنباهة والتيقظ والمواراة من المخاوف والتحفظ، والعبادة والتقوى في السر والنجوى، إلى غير ذلك من أنواع الفضائل وبديع الشمائل، التي لا بد للملك منها ولا غنى له عنها. فلما علموا من والده الشريف الإجابة ورأوا ما عند المترجم من البسالة والنجابة، نادى المنادون بلا توان باجتماع الأكابر والأعيان. فاجتمع العلماء والأشراف، وأهل الصولة من الأطراف، وكان اجتماعهم بوادي فروحه من غريس فجلس سيدي المترجم تحت دردارة هناك عظيمة، وتقدم والده إليه فبايعه ثم بايعه الناس بيعة عميمة. وفي الحال لقبه
والده بأمير المؤمنين ناصر الدين، وكانت هذه البيعة خصوصية في محل معلوم، لكنه لما تسامع خبرها حضر إليه الناس من كل جانب وبايعه العموم، حتى أنه لم يبق أحد ممن لم يحضر إلا وقد صدق على بيعته واتقاد لسلطنته وإمرته، وكان ذلك سنة ألف ومائتين وثمان وأربعين، فأسس ربوع الخلافة والسلطان، وشيد أركان دولته برفع الظلم وهدم جدار الطغيان، ثم قامت الحروب بينه وبين الفرنسيس على ساق، واتسع الخرق وقوي الشقاق، ولم يزل يصول عليهم ويوجه سهام الموت الأحمر إليهم، إلى آخر تلك القصة، التي لا يساعدنا الاختصار على ذكر تفصيلها. وقد ألف سعادة ولده الأمير السيد محمد باشا كتاباً مستوفى في ذلك ذكر فيه ترجمة حاله مفصلة من ابتدائها إلى انتهائها. وكتب المؤرخ الفاضل الشيخ محمد بيرم التونسي في كتابه صفوة الاعتبار، فقال: اعلم أن الدولة الفرنساوية لما ترقت في المعارف لا سيما في الأعصر الأخيرة لازمها حب الظهور، وعدم تحمل الهوان، وكانت الدولة العثمانية في شغلها الشاغل من أعمال الينكشارية وحروب الروسية وثورات اليونان وطغيان ولاة الأقاليم وعدم امتثالهم للأوامر، وكان والياً على الجزائر، حسين باشا وكان مستبداً ظلوماً مرتشياً قليل التدبر، وحصل منه إهانة لقنصل فرانسا، وذلك على ما في تاريخ ابن الضياف أن أحد التجار اليهود الأغنياء الجزائريين الملقب ببقرى أبو جناح، له خطلة مالية مع تجار من الفرانسيس، وتداعوا في خسائر من الجهتين، وانتصر حسين باشا لرعيته بالإلحاح على قنصل فرانسا في إنصافه، وآل الأمر إلى صلح يدفع على مقتضاه التجار الفرنساويون إلى التاجر الجزائري مالاً عظيماً وافراً، وأضمر حسين باشا أخذ المال لنفسه لما رآه ذريعاً وراجعاً لرعيته، وتلك كانت من عادته المألوفة له عن أمثاله. ولما قرب دفع المال وإذا بتجار أخر فرنساويين قاموا على بقرى المذكور بدين أوقفوا عليه المال الذي يريد قبضه، فتكدر حسين باشا لذلك كدراً عظيماً وطلب من القنصل رفع الإيقاف، وقال: إن أرباب الدين الفرنساويين يتبعون ذمة المديون بعد قبضه المال، حيث أنه لا حق لهؤلاء الطالبين في المال الذي يدفعه الفرنساويون، فامتنع من ذلك القنصل مستنداً إلى أن المال مال المديون والغرماء حقه عليهم، فحجزوا على المال لاستيفاء حقهم منه، وكان الديون قد دبر هذه الحيلة خوفاً على ماله من الهلاك باستيلاء الباشا عليه، فأعرض الباشا عن القنصل، وكاتب دولة فرنسا فأرسلت الدولة المكتوب بعينه إلى القنصل وأمرته بالجواب عنه، فذهب القنصل عند الباشا لمآرب أخر، فخطابه الباشا في استبطاء جواب مكتوبه الذي أرسله لدولة فرانسا، فقال له القنصل إن المكتوب أرسلته الدولة إلي وأمرتني بالجواب عنه، فسأل عن سبب عدم إجابة الدولة له، فأجابه بما فهم منه احتقاره، وكانت بيد الباشا منشة يطرد بها الذباب فضرب بها وجه القنصل وطرده، وبقي آسفاً على ما فاته من مال بقرى. ثم أن فرانسا تهددت الوالي المذكور على إهانة نائبها، وألحت عليه بأن يطلب منها الرضى ويعترف بالخطأ فأبى وأصر على غلطه، مع أن الدولة العثمانية والدول الأجانب وخواص الأعالي قد حسنوا ذلك له، ودولته أمرته أمراً قطعياً بذلك فأبى، وقد كانت فرانسا في شغل من داخليتها في ذلك الوقت لأن ذلك كان أثر حرب نابليون الأول، وكانت أيضاً متوقية المشاحنة مع العرب ومع الدولة العثمانية، حتى رضيت فرنسا بأن يكلف الباشا أي إنسان كان في باريس بطلب الترضية لكي تندفع هذه المعرة، ولا تلحقه هو مذلة بإرسال أحد من متوظفيه إلى " القنصلاتو " ولا إلى باريس، وكان قصدها بذلك اجتناب الحرب ما أمكن لاشتغالها بحروبها وأحزابها الداخلية، فأصر الوالي على رأيه، وأرسلت فرانسا أسطولها وحاربت بلد الجزائر، واستولت عليها، وحمل ذلك الوالي إلى باريس، ثم مات في إسكندرية. هـ بأمير المؤمنين ناصر الدين، وكانت هذه البيعة خصوصية في محل معلوم، لكنه لما تسامع خبرها حضر إليه الناس من كل جانب وبايعه العموم، حتى أنه لم يبق أحد ممن لم يحضر إلا وقد صدق على بيعته واتقاد لسلطنته وإمرته، وكان ذلك سنة ألف ومائتين وثمان وأربعين، فأسس ربوع الخلافة والسلطان، وشيد أركان دولته برفع الظلم وهدم جدار الطغيان، ثم قامت الحروب بينه وبين الفرنسيس على ساق، واتسع الخرق وقوي الشقاق، ولم يزل يصول عليهم ويوجه سهام الموت الأحمر إليهم، إلى آخر تلك القصة، التي لا يساعدنا الاختصار على ذكر تفصيلها. وقد ألف سعادة ولده الأمير السيد محمد باشا كتاباً مستوفى في ذلك ذكر فيه ترجمة حاله مفصلة من ابتدائها إلى انتهائها. وكتب المؤرخ الفاضل الشيخ محمد بيرم التونسي في كتابه صفوة الاعتبار، فقال: اعلم أن الدولة الفرنساوية لما ترقت في المعارف لا سيما في الأعصر

اسم الکتاب : حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر المؤلف : عبد الرزاق البيطار    الجزء : 1  صفحة : 889
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست