اسم الکتاب : حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر المؤلف : عبد الرزاق البيطار الجزء : 1 صفحة : 814
لا تستحكم للأول صبغة في الدين ولا يكمل له نزوع عن الباطل، ويختلف حال صاحب الدعوة معهم في استحكام دينه وولايته في نفسه دون تابعيه، فإذا هلك انحل أمرهم وتلاشت عصبيتهم.
وقد وقع ذلك بإفريقية لرجل من كعب من سليم يسمى قاسم بن مرة في المائة السابعة، ثم من بعد لرجل من بادية رياح كان أشد ديناً من الأول وأقوم طريقة في نفسه، ومع ذلك فلم يستتب أمرهما، وبعد ذلك ظهر ناس بهذه الدعوة يشتبهون بمثل ذلك ويلبسون فيها، وينتحلون اسم السنة وليسوا عليها إلا الأقل، فلا يتم لهم ولا لمن بعدهم شيء من أمرهم.
وأول ابتداء هذه النزعة في الملة ببغداد حين وقعت الفتنة بين الأمين والمأمون ابني الرشيد وقتل الأمين، وكان المأمون بخراسان فأبطأ عن مقدم العراق، وأراد انتزاع الخلافة من بني العباس ونقلها للعلويين، فجعل ولي عهده علياً الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق، فهاج من ذلك فتن كثيرة ببغداد، واجتمع بنو العباس وكشفوا وجه النكير على المأمون، وتداعوا للقيام وخلعوه وبايعوا عمه إبراهيم بن المهدي، فوقع الهرج وكثر القتل والنهب ببغداد، وانطلقت أيدي الذعار بها من الشطار والحربية على أهل العافية والصون، وقطعوا السبيل وامتلأت أيديهم من نهاب الناس، وباعوها علانية في الأسواق، ورفع أهلوها أمرهم إلى الحكام وقد ضعف أمرهم فلم ينصفوهم، فتوافر أهل الدين والصلاح وتعاقدوا على منع الفساق وكف عاديتهم.
وقام ببغداد رجل يعرف بخالد الدربوس ودعا الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأجابه خلق وقاتل بهم أهل الدعارة فغلبهم، وأطلق يده فيهم بالضرب والتنكيل، ثم قام من بعده رجل آخر يعرف
اسم الکتاب : حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر المؤلف : عبد الرزاق البيطار الجزء : 1 صفحة : 814