اسم الکتاب : حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر المؤلف : عبد الرزاق البيطار الجزء : 1 صفحة : 813
بكربلا قاصدين أرض المغرب، لإظهار دعوى أنه الفاطمي المنتظر، فلما وصل إلى المغرب وعاين دولة بني مرين، وكان أمير المؤمنين يوسف بن يعقوب في ذلك الوقت منازلاً تلمسان، فلما رأوا قوة ملكه قال ذلك الرجل لأصحابه: ارجعوا بنا فقد أزرى بنا الغلط وليس هذا الوقت وقتنا. وهذا يدل على أن ذلك الرجل استبصر بأن الأمر لا يتم إلا بالعصبية الكافية لأهل الوقت، فلما علم أنه غريب في ذلك الموطن ولا شوكة له وأن عصبية بني مرين في ذلك الوقت لا يقاومها أحد من أهل المغرب، استكان ورجع إلى الحق وأقصر عن مطامعه، وبقي عليه أن يستيقن أن عصبية الفواطم وقريش أجمع قد ذهبت لا سيما في المغرب، إلا أن التعصب لشأنه لم يترك لهذا القول، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
وقد كانت بالمغرب لهذه العصور القريبة نزعة من الدعاة إلى الحق والقيام بالسنة، لا ينتحلون فيها دعوة فاطمي ولا غيره، وإنما ينزع منهم في بعض الأحيان الواحد فالواحد إلى إقامة السنة وتغيير المنكر، ويعتني بذلك ويكثر تابعوه، وأكثر ما يعتنون بإصلاح السابلة، لما أن أكثر فساد الأعراب فيها لما فيها من طيب معاشهم، فيأخذون في تغيير المنكر بما استطاعوا، إلا أن الصبغة الدينية فيهم لم تستحكم، لما أن توبة العرب ورجوعهم إلى الدين إنما يقصدون به الأقصار عن الغارة والنهب، ولا يعقلون في توبتهم وإقبالهم إلى مناحي الديانة غير ذلك، لأنها المعصية التي كانوا عليها، ومنها توبتهم. ونجد ذلك المنتحل للدعوة والقائم بزعمه بالسنة غير متعمق في فروع الاقتداء والاتباع، إنما دينهم الإعراض عن النهب والبغي وإفساد السابلة، ثم الإقبال على طلب الدنيا والمعاش أقصى قصدهم، وشتان بين هذا الطالب للدنيا وبين من أراد إصلاح الخلق لكل ما يحتاجون إليه من أمر دينهم، فاتفاقهما ممتنع،
اسم الکتاب : حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر المؤلف : عبد الرزاق البيطار الجزء : 1 صفحة : 813