اسم الکتاب : حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر المؤلف : عبد الرزاق البيطار الجزء : 1 صفحة : 1444
مسألة سياسية، فجلس في الشام أياماً ثم أخذ عياله ورجع بهمة قوية، وفي شهر رمضان عام ألف وثلاثمائة وستة، أمرني بكتابه الشريف بالتوجه لحضرته، لما علم من كثرة شوقي لرؤية إشراق طلعته، وأرسل لي مصروف الطريق ونفقة العيال، فامتطيت جواد العزم على التوجه نحو التداني والوصال، وودعت الأهل والأولاد والإخوان الكرام، وتوجهت في سنة ألف وثلاثمائة وست سادس ذي القعدة الحرام، وحينما وقف الوابور القطار في موقفه من الدار العلية، وجدت حضرة عطوفة المترجم مقبلاً علينا بقاربه بهمة قوية، فعلمت أنه قد تنزل من مقامه العال، لأجل أن يحبر الخاطر بجميل الاستقبال، فوقف عند الوابور متبسماً تبسم السرور وهو في ملابسه الرسمية، الدالة على فخامة رتبته العلية، فنزلت من الوابور إليه، وحييته بما يجب وجلست في قاربه لديه، فخلع علي خلعة سروره وبشره، وصنع بي ما يوجب علي دوام حمده وشكره:
شهم يدل على كريم أصوله ... طيب النبوة في جميل صفاته
كل المطالب دونه فلو أنه ... طلب السماك لحل في عتباته
بدر السعادة والسيادة والعلا ... محيي لدين الجود بعد مماته
فلله دره من همام قد تشرفت الصفات بذاته، وإمام قد تحلت العبارات ببديع صفاته، فلعمري ما تليت آيات أوصافه إلا وركع لها القلم وسجد، ولا قرأت أحاديث سنده إلا وتفردت في صحيحها بعلو السند، فهو الذي حديثه في الفضل مرفوع، وغيث سحابه الهاطل لا مقطوع ولا ممنوع، ولقد وجه إلي خطابه التأنيسي الذي يستحق أن يرسم بنور البصر، في عنوان صحائف الأذهان والفكر، ثم خرجت معه من القارب إلى الركوب في عربته، وأخذت تسير بل تطير بنا إلى داره ومحلته، وكان قد قال لي من جملة الكلام، إياك أن تتأمل العود إلى الشام قبل مضي عام، وفي ثاني يوم من وصولي عين لي معاشاً لنفقة
اسم الکتاب : حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر المؤلف : عبد الرزاق البيطار الجزء : 1 صفحة : 1444